الدكروري يكتب عن الجهل بالشريعة وحب الذات
بقلم / محمـــد الدكــــروري
يجب على كل مسلم أن يتعلم العلم الشرعي الذي يقوم به دينه ثم يبلغه بعد ذلك، حيث قال الله تعالى في سورة محمد ” فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ” وعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقَة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه ” رواه البخاري ومسلم.
وأما اليوم فللأسف الشديد طغت المدنية المعاصرة والجهل بالشريعة وحب الذات حتى أصبح الساكن في عمارة واحدة لا يعرف جاره ولا يُسلم عليه لو قابله، ولا يسأل عنه، بل ليته يَسلم من أذيته أحيانا، إذ من أعظم الأذى والأذى كله شر هو أذى الجار، فكف الأذى عن الجار سبب لتحقيق كمال الإيمان، فيجب تربية أهل البيت من زوجة وولد على تعظيم حق الجار، وكف الأذى عنه، ويخبرهم بما في إكرام الجار من عظيم الأجر، وما في أذيته من الوعيد الشديد، فإن الأذية قد لا تصدر من الرجل لجاره، ولكن من زوجه أو ولده، ولو وقع ذلك منهم فلا يتساهل به، بل يظهر غضبه عليهم مما وقع منهم من أذية جيرانهم، ليعلموا أن هذا الأمر شديد فلا يتهاونون به.
والرجل سلطان أهله وولده، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وقال الإمام علي بن أبي طالب للعباس رضى الله عنهما ما بقي من كرم إخوانك؟ قال الإفضال إلى الإخوان، وترك أذى الجيران، فانظر كيف عدّ العباس رضى الله عنه، ترك أذى الجيران من الكرم، وإن مظاهر التقصير الشائعة في حق الجيران هى مضايقة الجار، وتلك المضايقة داخلة في أذية الجار، وهي تأخذ صورا شتى، فمن مضايقة الجار إيقاف السيارات أمام بابه حتى يضيق عليه دخول منزله، أو الخروج منه، ومن ذلك مضايقته بالأشجار الطويلة التي تطل على منزله، وتؤذيه بتساقط الأوراق عليه، ومن ذلك ترك المياه تتسرب أمام منزل الجار مما يشق معها دخول الجار منزله، وخروجه منه.
ومن ذلك إيذاء الجيران بالروائح المنتنة المنبعثة من مياه المجارى، وقد لا يُلام المرء على هذا في بداية الأمر، ولكن يُلام إذا لم يحرص على إصلاحها أو تعاهدها، ومن ذلك مضايقتهم بمخلفات البناء وأدواته، حيث تمكث طويلا أمام بيوت الجيران بلا داع، ومن المضايقة للجيران وضع القمامة أمام أبوابهم، وأيضا من المضايقات هو حسد الجار، فإن الحسد هو تمني زوال نعمة المحسود، أو هو البغض والكراهية لما يراه من حال المحسود، وإن الحسد خُلق لئيم، ومن لؤمه أنه موكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب، والأكفاء، والمعارف، والخلطاء، والإخوان، ولئن كان الحسد قبيحا، فإن قبحه يزداد إذا كان منصرفا إلى الجيران لأنهم من أَولى الناس ببذل الندى لهم.
وكف الأذى عنهم، وأيضا احتقار الجار والسخرية منه، كأن يحتقر جاره، أو يسخر منه لفقره، أو لجهله، أو وضاعته، ومن ذلك السخرية بحديثه إذا تحدث، والسخرية بملبس الجار، أو منزله، أو أولاده أو نحو ذلك.