من أمن العقاب أساء الأدب
تعطيل المشروعات القومية.. نزيف للمال العام وإهدار لصحة وكرامة المواطن
كتب/ صابر محجوب
رغم النصوص القانونية الصريحة التي تُجرّم تعطيل المشروعات العامة وتُعدّ ذلك نوعًا من إهدار المال العام، إلا أن الواقع في العديد من القرى والمراكز بمصر يُظهر مشهدًا مختلفًا تمامًا؛ حيث تتكرر وقائع التقاعس والإهمال وغياب المحاسبة، في ظل صمت غير مبرر من الجهات الرقابية.
مشروع الصرف الصحي بمنيل شيحة وطموه.. 17 عامًا من الانتظار!
مثال فج على هذا الإهمال المزمن نجده في مشروع الصرف الصحي لقريتي منيل شيحة وطموه بمركز أبو النمرس، محافظة الجيزة، الذي بدأ تنفيذه منذ أكثر من سبعة عشر عامًا، دون أن يرى النور حتى الآن.
ورغم اعتماد ميزانيات ضخمة وتعاقد مع مكاتب استشارية وشركات مقاولات، إلا أن المشروع لا يزال “محلك سر”، في مخالفة صريحة لقواعد الشفافية، وبدون أية مساءلة تُذكر للمسؤولين عن تعطل التنفيذ.
الأدهى من ذلك، قيام الشركة المنفذة -بتوجيهات من الجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي– بتوصيل الخزانات الأرضية (الطرنشات) بطلمبات غاطسة إلى المصارف الزراعية والترع، مما أدى إلى تلويث مياه الري، والتي تُستخدم مباشرة في ري المحاصيل والخضروات، بل ويقوم بعض تجار الخضروات بغمر المحاصيل في هذه المياه الملوثة لتبدو أكثر نضارة، ما أدى إلى ارتفاع نسب الأمراض الكبدية والمعدية والفشل الكلوي بين المواطنين، وسط تجاهل تام من وزارات البيئة والري والصحة.
كوبرى مزلقان أبو النمرس.. مشروع متعطل برغم اكتمال التنفيذ
لم يكن مشروع الصرف الصحي هو الوحيد ضحية الإهمال، بل طال التأخير أيضًا مشروع كوبري مزلقان أبو النمرس، الذي شُيّد لتخفيف الزحام وتسهيل الحركة، وقد تم تنفيذ الكوبري بالفعل بكافة مداخله ومخارجه، لكن تعنت بعض الجهات مثل إدارة مرور جنوب الجيزة حال دون تشغيله الكامل، بحجة عدم الانتقال من المبنى القديم –المدرج ضمن قرارات الإزالة– إلى المبنى الجديد المُجهز، رغم توافر حلول بديلة من هيئة الطرق والكباري التي عرضت توفير مولد كهربائي وخزانات مياه مؤقتًا حتى يتم إنهاء إجراءات توصيل المرافق.
الأزمة تفاقمت بسبب رفض بعض المواطنين أصحاب النفوذ إزالة عقاراتهم المخالفة المقامة على أراضي أملاك الدولة والري، وهو ما تسبب في ضيق طريق مصر – أسوان الزراعي، وبالتالي احتمال وقوع تصادمات قاتلة بين السيارات القادمة من المنيب وأخرى آتية اتجاه العياط عبر الكوبري.
فأين المحاسبة؟
وفقًا للقانون رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية، فإن تعطيل المشروعات القومية أو التلاعب في تنفيذها أو استخدامها بما يضر الصالح العام يُعد إهدارًا للمال العام وجريمة يعاقب عليها القانون.
لكن ورغم كل هذه الوقائع، لم نسمع عن تحقيقات جدية أو مساءلات واضحة ضد المسؤولين المقصرين، سواء في وزارة الإسكان أو الجهاز التنفيذي أو الإدارة المحلية أو حتى الجهات الرقابية.
بل إن التباطؤ والسكوت بات وكأنه غطاء رسمي لحماية الفساد وتفريغ القوانين من مضمونها، وهو ما يهدد مستقبل التنمية ويقوّض ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.
في الختام:
إذا كانت الدولة حريصة على استكمال مشروعاتها القومية، فعليها أولًا أن تُعيد هيبة القانون، وأن تُحاسب كل من تسبب في تعطيل المشاريع، أو إهدار المال العام، أو الإضرار بصحة وكرامة المواطنين.
فمن أمن العقاب.. أساء الأدب.
من أمن العقاب أساء الأدب