
هويتنا و الصراع الفكري في العصر الحديث (2)
بقلم : محمد فتحى شعبان
هويتنا و الصراع
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده ، اشهد لله بأنه الواحد الأحد الفرد الصمد و أشهد أن محمدا عبد الله ورسوله و صفيه من خلقه و خليله
أما بعد :
قضية الهوية قد كتبت عنها مرارا و تكرارا ولا بد من الحديث عنها والتنبيه إليها لأنها من القضايا المهمة خاصة في ظل العولمة هذا الليل الجاسم فوق صدور الجميع ، و ما يقوم به الغرب والشرق من محاولات لمحو الهوية الإسلامية و استبدالها بغير من الهويات والمفاهيم التي لا توافق أمتنا فكان لزاما علينا التنبيه والحديث عن الهوية وبيان المحاولات التي تبذل لمحو هذه الهوية وبيان كيفية الحفاظ علي هويتنا وسط هذا الكم الهائل من محاولات لطمسها .
كي نجد علاجا لأي مرض لا بد أولا من إدراك أن هناك مرض يجب أن يعالج ، كذا قضية أو مشكلة محو الهوية فلا بد من إدراك ما يحيط بنا لأن هذا بداية العلاج ، ثم تشخيص الداء بطريقة تحيط بكل تفاصيله ، ثم اختيار العلاج المناسب ، اختيار المنهج الذي من خلاله يتم علاج تلك المشكلة بما يتناسب مع المجتمع والأمة ، إذ لا يصح اختيار منهج عام فلكل مجتمع خصائصه و سماته التي تختلف عن غيره ، فقد ذهب العديد من المفكرين و ممن يحاولون الاصلاح إلي اختيار مناهج لا تناسب امتنا ولكنها مناهج غربية أو شرقية تناسب تلك الأمم التي نشأت فيها تلك القضايا .
إذن لا بد من إدراك المرض ثم تشخيصه بطريقة صحيحة تحيط بكل تفاصيله ثم اختيار علاج يناسب المريض المصاب بهذا المرض ، والمرض في حالتنا هنا تمييع ومحو الهوية ، وللأسف فإن هناك الكثير من مجتمعاتنا لا تدرك هذا الأمر و بالتالي لا يبحثون عن علاج لها .
الهوية وقد سبق تعريفها بأنها مجموعة السمات والخصائص التي تميز جماعة عن أخري وتجمع بين أفراد هذه الجماعة و قد تتعرض لتأثيرات عديدة فهي ليست ( عقارا) يمكن الحفاظ علي ملكيته أو حتي حجبه عن تأثير الآخرين ، ولكنها كما ذكرت مجموعة من السمات الثقافية التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين الذين ينتمون إليها بحيث يعرفون و يتميزون عمن سواهم من البشر من أفراد الامم الأخري ، وهي تتأثر بما حولها من متغيرات سلبا و إيجابا ، فهي في حالة تفاعل مستمر .
والهوية الإسلامية تواجه تحديات متعددة في العصر الحديث منها العولمة ، والغزو الفكري ، والتغييرات الثقافية ، هذه التحديات تؤثر علي القيم الأخلاقية ، اللغة والتراث الثقافي .
العولمة أو بمعني أدق أمركة العالم ومحاولة جعل العالم ينتمي إلي ثقافة واحدة هي الثقافة الأمريكية ، ومحاولة فرض القيم والاخلاق الأمريكية علي العالم من أهم المخاطر التي تواجه الهوية الإسلامية مع عمليات الغزو الفكري المستمرة لبلاد الإسلام ، فإن العولمة وما صاحبها من ثورة معرفية وتكنولوجية و تواصلية ، والتطورات الهائلة في وسائل الإعلام كان لها أكبر الأثر علي تمييع الهوية والمساعدة في عمليات الغزو الفكري .
و من مخاطر العولمة
١/ التأثير علي القيم والمبادئ الأخلاقية
٢/ التأثير علي اللغة والتراث الثقافي
٣/ التأثير علي الممارسات الدينية
وهذه الأمور بينة واضحة في مظاهر الناس و اخلاقهم فقد نقلت إلينا العادات والتقاليد الأمريكية والغربية ، وقد غزت لغتهم مجتمعنا فتجد العديد من الناس خاصة فئات الشباب ينطقون بألفاظ أجنبية بين كلامهم ، تجد ذلك أيضا في الملبس وعادات الأكل والشراب ، المفاهيم الثقافية الخاصة ببيئات الغرب تحرر المرأة والفتاة من الأخلاق ، المصطلحات الرنانة والمذاهب الفكرية التي روجو لها .
غزو العقائد ….إعادة إحياء المذاهب والعقائد البائدة ، إثارة الشبهات حول العقيدة الإسلامية وإظهارها بمظهر التخلف وأنها سبب تأخر المسلمين ، محاولات طمس أو تشويه تاريخ دولة الإسلام ، إثارة النعرات القومية ووضعها موضع الهوية الإسلامية ، وهذا منتشر بشدة خاصة هذا الأيام علي وسائل التواصل الاجتماعي ، فالقومية بخلاف الهوية ، العلمانية وما لها من تأثير فهي فكر لفصل الدين عن حياة الناس والهجوم المتواصل من دعاة التنوير علي معالم الهوية الإسلامية .
* يتبع إن شاء الله