وضربت عليهم الذلة والمسكنة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا عزّ إلا في طاعته، ولا سعادة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في ذكره، الذي إذا أُطيع شكر، وإذا عُصي تاب وغفر، والذي إذا دُعي أجاب، وإذا استُعيذ به أعاذ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا أما بعد قيل أنه دخل الإمام علي بن أبي طالب المقابر فسلم على أهلها وقال يا أهل المقابر أما بيوتكم فقد سكنت وأما نساءكم فقد تزوجن غيركم وأما أموالكم فقد قسمت، فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم يا أهل المقابر؟ ثم قال والله لو أجابوا لقالوا إن خير الزاد التقوى، ووعظ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يوما أصحابه فكان من كلامه أنه قال ” إذا مررت بهم فنادهم إن كنت مناديا وأدعهم إن كنت داعيا ومر بعسكرهم وأنظر إلى تقارب منازلهم وسل غنيهم مابقي من غناه ؟
وسل فقيرهم مابقي من فقره ؟ واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون، واسألهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة ماصنع بها الديدان تحت الأكفان ؟ أكلت الألسن وعُفرت الوجوه ومُحيت المحاسن، وكثسرت الفقار وبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء، فأين حجابهم وقبابهم ؟ وأين خدمهم وعبيدهم ؟ وجمعهم وكنوزهم ؟ أليسوا في منازل الخلوات ؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمه ظلماء ؟ قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبه والمال والأهل، فيا ساكن القبر غدا مالذي غرّك من الدنيا ؟ أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد ؟ وأين ثمارك اليانعة ؟ وأين رقاق ثيابك ؟ وأين طيبك وبخورك ؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك ؟ ليت شعري بأي خديك بدأ البلى يا مجاور الهلكات صرت في محلّة الموت.
ليت شعري مالذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا وما يأتيني به من رسالة ربي ” ثم إنصرف رحمه الله فما عاش بعد ذلك إلا جمعه، ونحن في زمن إشتدت فيه ضراوة الشّبه وتخطف كلبها كثيرا من منتسبة العلم ففي كل يوم لها صريع أو قتيل وليتهم لوحدهم بل قد جرّوا معهم فئاما من الأمة أحسنوا الظن بهم وعلّقوا بكلامهم الحق فصاروا رؤوس باطل ودخان ضلالة قد روعوا وأُخنعوا بعبارات المستغربين وأفراخ المستشرقين وأذنابهم في وصف منهاج النبوة بالراديكالي والمتشدد والمتطرف واليميني والرجعي والظلامي والوهابي، فراحوا ينقّبون في الآثار والسير لا ليردّوا عادية أولئك بقوة وعزة وشمم ولا ليصولوا عليهم ويخرسوهم بالبراهين والحجج، بل ليجدوا لهزيمتهم النفسية تأويلا ومخرجا يلوون به باقي الأدلة لينفوا كلام الأسياد الخصوم وينفوا عن الدين الصلابة والشدة والغلظة مع أهلها.
فإستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير “وضربت عليهم الذلة والمسكنة” فإن إشتد خطابهم وأرقلت رواحلهم وحدّت حرابهم فإنما ذلك على إخوانهم، بينما سلم منهم شر البرية، وحين اتهم مستشرقون الإسلام بأنه قد إنتشر بالسيف قابلهم المنهزمون المخذولون الذين طغت عليهم عقدة المغلوب وراعتهم صولة الصليب وغياية المادة فنفواعن حسن نية وضعف بصيرة القتال في سبيل الله وصيّروه جهاد الدفع دون الطلب فيقول “يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون” ويقول تعالي “واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل” ويقول تعالي “يا أيها الذيم آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين”
وهل يجرؤ مسلم على توجيه آية التوبة هذه إلى جهاد الدفع وهي في غاية الصراحة في الطلب “قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون” وقال إمام المجاهدين صلوات الله وسلامه عليه “بعثت بالسيف بين يدي الساعة وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم” رواه البخاري معلقا ومن لم يثق في الوحي ثقة مطلقة فلا ترجه.
وضربت عليهم الذلة والمسكنة