الرئيسيةمقالاتيا جابر أترى تلك الشجرة
مقالات

يا جابر أترى تلك الشجرة

يا جابر أترى تلك الشجرة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وسلم الذي كان حكيم في تعامله مع الآخرين، فينزل الناس منازلهم، ويعرف للآخرين مكانتهم، يرسل رسالة لأحد الملوك، ويقول صلي الله عليه وسلم فيها “إلى هرقل عظيم الروم” يستمع وينصت لمن يسأله أو يحاوره ويقول صلي الله عليه وسلم له “هل فرغت؟” ثم يبدأ بالحديث، فيراعي تفاوت الفهم لدى الناس وإختلاف عقولهم، يجيب السائل بالقدر الذي يحتاجه، ليحببه للدين، لا يطيل الخطبة على الناس لكي لا يملوا منها، يعاتب أصحابه حينما يصدر منهم الخطأ مع عامة الناس، ومرة قال لأحدهم “أفتان أنت؟” لأنه أطال الصلاة بالناس حتى ضجروا.

فصلوات ربي وسلامه عليه، فهذا هو رسول الله المصطفي صلى الله عليه وسلم الذي كان من مواقفه صلي الله عليه وسلم كما جاء في صحيح الإمام مسلم أن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه، قال والذي أخذ بصري بعد أن أعطانيه، كان جابر بن عبد الله أعمى البصر، وأما قلبه فمبصر، قلبه يرى، فقلبه على بصيرة من الله، وأما بصره فأخذ الله تعالي نوره ليعوضه جنة عرضها السماوات والأرض، فبعضهم عيونه كبيرة ولكن قلبه صغير، وبعضهم يرى كل شيء ولكن لا يرى طريق الهداية، ويقسم جابر بن عبد الله رضي الله عنه بمن أخذ بصره بعد أن أعطاه، وهو الله، ولا يقسم إلا بالله، لقد سافر مع الرسول صلي الله عليه وسلم، فقال جابر لما خرجت معه في الغزوة أخذني صلي الله عليه وسلم بيدي، فخرجت معه إلى الصحراء.

وانفرد الرسول صلى الله عليه وسلم بجابر، ثم قال له صلى الله عليه وسلم ” يا جابر أترى تلك الشجرة؟ قلت نعم، يا رسول الله قال اذهب إليها، وقل لها أيتها الشجرة إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك تعالي فذهب فقال يا أيتها الشجرة إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول تعالي، فقال جابر فوالذي نفسي بيده لقد أقبلت تشق الأرض شقا حتى وقفت بجانبه، ثم قال صلي الله عليه وسلم له اذهب إلى الشجرة الأخرى، وقل لها يقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم تعالي، فيذهب فيقول لها ما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال جابر فوالذي نفسي بيده لقد أقبلت تشق الأرض شقا حتى وقفت بجانبه، وفي لفظ آخر للإمام مسلم تخد الأرض خدا، وهو من باب الأخدود أي الشقوق في الأرض، فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من حاجته أخذ بغصنين غصن من شجرة وغصن من شجرة.

وقال يا جابر قل لهما تعودان إلى مكانيهما، فقال لهما، فقال جابر والذي نفسي يبده لقد عادتا تشقان الأرض شقا حتى وقفتا مكانيهما ” وهذا هو الحق والبرهان الناصع على أنه رسول من الله صلي الله عليه وسلم، وإن هناك مفاهيم مغلوطة حول الرأفة، فبعض الناس يظن أن الرأفة بالشخص تقتضي مجاملته، والسكوت عن أخطائه، والتغاضي عن نصحه وإرشاده، وهذا خطأ جسيم لأن الرأفة ماهي إلا أسلوب من أساليب التربية، وشكل من أشكال التوجيه والنصيحة، ولا معارضة بينهما أبدا، وبعض الناس يعتقد أن الرأفة خلق ذميم ولا يتحلى بها إلا الضعفاء من الرجال، ولا يليق بأهل الجد والحزم أن يتحلوا بها، وهذا من أكبر الوهم وأفحش الغلط، فالرأفة أمر رباني وخلق نبوي، ومن المفاهيم المغلوطة حول الرأفة الاعتقاد الفاسد بأن بعض أحكام الإسلام وحدوده قد إنتزعت منها الرأفة.

كحد السرقة وحد الزاني المحصن الذي أمر الله عند إقامته بعدم الرأفة على فاعله، وللجواب إن الرأفة بالزناة ممن ثبت زناهم وتحققت جنايتهم، إنما هي قسوة على المجتمع، وقسوة على الإنسان، وقسوة على الضمير البشري، بل قسوة على حقوق البشر جميعا، لأن الرأفة بالزاني وعدم تنفيذ حكم الله فيه معناه السماح للفساد أن يستشري، وللفواحش أن تستفحل وتنتشر، وللفطر أن تفسد وترتكس، وللمجتمع أن يسقط في براثن الرذائل وحمأة الأوجاع والأمراض، وقل مثلها في سائر الحدود والأحكام، ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فاللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *