![](https://mawtany.com/wp-content/uploads/2025/02/1738400284577-780x470.jpg)
يا مبارزا مولاك بالخطايا تمهل
بقلم / محمـــد الدكـــروري
يا مبارزا مولاك بالخطايا تمهل
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل حبه أشرف المكاسب، وأعظم المواهب، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة المطاعم والمشارب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزّه عن النقائص والمعايب، خلق الإنسان من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى الهدى والنور وطهارة النفس من المثالب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي سبيل النجاة والفلاح، فيا أخي الكريم ليلتان إثنتان يجعلهما كل مسلم في ذاكرته، ليلة في بيته، مع أهله وأطفاله منعما سعيدا في عيش رغيد، وفي صحة وعافية، ويضاحك أولاده ويضاحكونه، والليلة التي تليها بينما الإنسان يجر ثياب صحته منتفعا بنعمة العافية، فرحا بقوته وشبابه، إذ هجم عليه المرض، وجاءه الضعف بعد القوة.
وحل الهم من نفسه محل الفرج، فبدأ يفكر في عمر أفناه، وشباب أضاعه، ويتذكر أموالا جمعها، ودورا بناها، ويتألم لدنيا يفارقها، وذرية ضعاف يخشى عليهم الضياع من بعده، وقد إستفحل الداء، وفشل الدواء، وحار الطبيب، ويئس الحبيب، ونزلت به السكرات، وصار بين أهله وأصدقائه ينظر ولا يفعل، ويسمع ولا ينطق، يقلب بصره فيمن حوله، من أهله وأولاده، وأحبابه وجيرانه، ينظرون إليه وهم عن إنقاذه عاجزون، ولا يزال يعالج سكرات الموت، ويشتد به النزع حتى إذا جاء الأجل، ونزل القضاء، فاضت روحه إلى السماء، فأصبح جثة هامدة بين أهله، وهناك ينقسم الناس عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها، ينقسمون إلى فريقين أما الفريق الأول فحالهم، ألا تخافوا مما أمامكم من أهوال الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلفكم في الدنيا من الأهل والولد والمال.
فنحن أولياؤكم في الآخرة، نؤنسكم من الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور، وأما الفريق الثاني من الكفار والفجار وهم أصحاب السعير، فهذه وصية محمد صلى الله عليه وسلم ” أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا سعة إلا ضيقها” فهو كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة، وقد قيل من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة، تعجيل التوبة وقناعة القلب ونشاط العبادة ومن نسي الموت عوجل بثلاثة، تسويف التوبة وترك الرضا بالكفاف والتكاسل بالعبادة، واعلموا أن تذكّر الموت لا يعني كثرة الحزن وطول النحيب مع الإقامة على التفريط، وإن تذكرنا للموت يجب أن يقترن بخوفنا من سوء الخاتمة، والأعمال بالخواتيم كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه المتفق عليه.
يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ” فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها” فقيل أنه لما حضرت محمد بن المنكدر الوفاة بكى، قيل له ما يبكيك؟ قال والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته، ولكن أخاف أني أتيت شيئا حسبته هينا وهو عند الله عظيم، وكما قال الذهبي في سيره، فيقول لما مات ابن عباس رضي الله عنه بالطائف، جاء طائر لم يري على خلقته مثله فدخل نعشه، ثم لم يخرج منه، فلما دفن إذا على شفير القبر، تال يتلو، أي قارئ يقرأ، لا يُرى ” يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” فيا لها من خاتمة، وياله من مصير.