الدكروري يكتب عن القرآن يحكي عن الحاكم العظيم
الدكروري يكتب عن القرآن يحكي عن الحاكم العظيم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الدكروري يكتب عن القرآن يحكي عن الحاكم العظيم
لقد ذكر القرآن الكريم قصة الحاكم العادل الصالح الذي حكم الأرض، فيقول الله تعالى فى سورة الكهف حاكيا عن قصة هذا الحاكم العظيم ذي القرنين “فأتبع سببا، حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب فى عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا” أي فاتخذ طريقا وسلكه نحو الغرب “حتى إذا بلغ مغرب الشمس” أي وصل إلى المحل الذي يتراءى له فيه غروبها من سطح الأرض، ومعناه أنه انتهى إلى آخر أمكنة العمران من جهة المغرب “وجدها تغرب فى عين حمئة” أي وجد الشمس تغيب عن ناظريه في عين كثيرة الحمأ أي الطين الأسود المنتن، وقرئ “في عين حامية” أي حارة، فقد وجد الشمس تغرب هناك وإن كانت بالحقيقة لا تغرب في مرمى بصر.
ولكن ظلها في الماء خيّل له ذلك، لأن الشمس في واقع الأمر لا تزايل الفلك، ولا تدخل في عين ماء يعيش قربها قوم ويقيمون آمنين من الاحتراق بحرارتها، بل هي لا تبارح مجاريها في النظام الكوني، وإنما ذكر القرآن الكريم ما يتراءى للعالمين من شروق الشمس وغروبها بهذا الوصف الدقيق المعجز الرائع، فلما بلغ ذو القرنين ذلك الموضع تراءى له كأن الشمس تغرب في عين، كما أن من كان في البحر رآها كأنها تغرب في الماء، ومن كان في البر يراها كأنها تغرب في الأرض الملساء، والحاصل أن ذا القرنين لما بلغ ذلك الموضع رأى كأن الشمس تغيب في تلك العين، التي هي في الواقع ساحل المحيط الأطلسي، حيث وصل إلى هناك “ووجد عندها قوما” أي في تلك البقعة من الأرض وجد أناسا.
“قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا” وفي هذا دلالة على أن القوم كانوا كفارا والمعنى إما أن تعذب بالقتل من أقام منهم على الشرك، وإما أن تأسرهم وتمسكهم بعد الأمر لتعلمهم الهدى وتستنقذهم من العمى، وقيل معناه وإما أن تعفو عنهم، واستدل من ذهب إلى أن ذا القرنين كان نبيا بهذا قال، لأن أمر الله تعالى لا يعلم إلا بالوحي، والوحي لا يجوز إلا على الأنبياء وقيل، إن الله تعالى ألهمه ولم يوح إليه وقيل، إن كان ذو القرنين نبيا فإن الله تعالى قال له كما يقول للأنبياء إما بتكليم أو بوحي، وإن لم يكن نبيا فإن معنى قلنا ألهمنا لأن الإلهام ينوب عن الوحي، فقد قال سبحانه “وأوحينا إلى أم موسى” أي وألهمناها، وقد قال قتادة فقضى ذو القرنين فيهم بقضاء الله تعالى، وكان عالما بالسياسة.
فيقول الله تعالى “قال أما من ظلم” أي أشرك “فسوف نعذبه” أي نقتله إذا لم يرجع عن الشرك “ثم يرد إلى ربه” أى بعد قتلي إياه “فيعذبه عذابا نكرا” أي منكرا غير معهود، ويعني في النار وهو أشد من القتل في الدنيا، ثم يقول الله تعالى فى سورة الكهف “وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا” أي أننا سنتعامل معه بالقول الحسن، فضلا عن أننا سنخفف عنه ولا نجعله يواجه المشاكل والصعاب، بالإضافة إلى أننا سوف لن نجبي منه ضرائب كثيرة، والظاهر هو أن ذا القرنين أراد من ذلك أن الناس سينقسمون مقابل دعوته إلى التوحيد والإيمان والنهي عن الظلم والفساد إلى مجموعتين، وهي المجموعة التي سترحب ببرنامجه الإلهي ودعوته للتوحيد والإيمان.
وهذه ستجزى بالحسنى وستعيش حياة آمنة ومطمئنة، وأما الثانية فستتخذ موقفا عدائيا من دعوة ذي القرنين، وتقف في الجبهة المناوئة، وتستمر في شركها وظلمها، وتواصل فسادها، وهي لذلك ستعاقب نتيجة موقفها هذا أشد العقاب، وبمقارنة قوله من ظلم، وقوله من آمن وعمل صالحا، يتبين لنا أن الظلم يعني هنا الشرك والعمل غير الصالح، الذي يعد من ثمار شجرة الشرك المشؤومة.