المقالات
الدكروري يكتب عن المواساة منهج تربوي إنساني
الدكروري يكتب عن المواساة منهج تربوي إنساني
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد حلق الله عز وجل الناس لعبادته والسير في طريق طاعته، فمن تطبعت نفسه على العبادة بتلك المفاهيم الإسلامية، على وفق تلك المبادئ، كان حريا عليه أن ينظر إلى الحياة، كما نظر إليها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه إليها في متاعها الخادع، ولذاتها الزائلة، تتجاوب نفسه الكريمة معها في منتهى الحكمة والكياسة، صادق في زهده، صادق في كل ما أتت يمينه، صادق في كل السلطان ومباهجه دأب أقرانه على الوصول إليها غاية، فإذا هو يسكن مع أولاده في بيت متواضع تأوي إليه الخلافة لا الملك وإذا هو يأكل الشعير تطحنه امرأته فيا لها من عظة كريمة يلقيها على أبصار من يملكون البصر والبصيرة النافذة، وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان شباب من الأنصار سبعين رجلا يقال لهم القراء.
قال كانوا يكونون في المسجد، فإذا أمسوا انتحوا ناحية من المدينة، فيتدارسون ويصلون يحسب أهلوهم أنهم في المسجد، ويحسب أهل المسجد أنهم في أهليهم، حتى إذا كانوا في وجه الصبح، استعذبوا من الماء، واحتطبوا من الخطب، فجاؤوا به، فأسندوه إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم جميعا، فأصيبوا يوم بئر معونة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على قتلتهم، وقال علي بن الحسن بن شقيق كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج، اجتمع إليه إخوته من أهل مرو يقولون نصحبك؟ يقول لهم هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم، فيجعلها في صندوق ويقفل عليها، ثم يكتري لهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد، ولا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام، وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة.
حتى يصلوا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لكل رجل منهم ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من طرف المدينة؟ فيقول كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فينفق عليهم إلى أن يصلوا إلى مرو، فإذا صاروا إلى مرو، صنع لهم بعد ثلاثة أيام وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا، دعا بالصندوق ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صُرته بعد أن كتب عليها اسمه، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد ما يكون حرصا على مواساة أصحابه في مصابهم، ومشاركتهم في مشاعرهم، ومحاولة رفع الحزن والأسى عنهم، وله في ذلك مواقف عجيبة، تدل على منهج تربوي أخلاقي إنساني متكامل في كل جوانبه، ومن مواقف المواساة في غزوة أحد، قيل أنه مر الرسول صلى الله عليه وسلم.
بدار من دور الأنصار من بني عبدالأشهل وظفر، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، ثم قال “لكن حمزة لا بواكي له” فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبدالأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن، ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهن على حمزة، خرج عليهن وهنّ على باب مسجده يبكين عليه، فقال “ارجعن يرحمكن الله، فقد آسيتن بأنفسكن” ونهى صلى الله عليه وسلم يومئذ عن النوح، وقال “رحم الله الأنصار، فإن المواساة منهم ما عتمت لقديمة، مروهن فلينصرفن”
الدكروري يكتب عن المواساة منهج تربوي إنساني