المقالات

القنطرة للدار الآخرة

جريدة موطني

القنطرة للدار الآخرة

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين،

نبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين، لقد كان اطلاع المشركين على المعجزات

الحسية للنبي صلى الله عليه وسلم قليلا، إلى جانب المعجزات الحسية الكثيرة التى

شهدها الصحابة رضوان الله عليهم فازدادوا إيمانا وثباتا بها، وهذه المعجزات القليلة التي

رآها المشركون أو رآها أحدهم أدت إلى إيمان بعضهم، ولم تؤد إلى إيمان البعض الآخر،

وبعضهم تأخر إيمانه وإسلامه بعد رؤيته للمعجزة إلى أن شاء الله عز وجل له الهداية،

ولم يكن قول المشركين حين يروا آية ومعجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

ساحر أو سحرنا محمد، تعبيرا عن اقتناعهم بأنه ساحر وإنما كان عنادا وجحودا وذريعة.

 

للتخلص من وعدهم بالإيمان عند رؤية معجزة وآية تقع على يديه، وعلى الرغم أنهم

لم يألفوا أو يلحظوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم السحر ولم يجربوا عليه كذبا

طوال حياته، لم يؤمنوا، وذلك بسبب العناد والجحود الذي يمنع صاحبه من الهداية وقبول

الحق، حيث قال ابن كثير أنهم لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر، ولكنهم يعاندون الحق

ويدفعونه بصدورهم، وإن توحيد الله عز وجل، بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتأليهه، وإفراده

بكامل العبودية والتقديس، كل ذلك جزء من عقيدة المسلم، وفي طليعة ما يجب أن

يعنى به، وإن الحياة الدنيا هى القنطرة للدار الآخرة، وهى الوسيلة للغاية النبيلة،

فإن الحياة فانية وعمر الإنسان مهما طال فهو قصير، فقد حدث في زمن أمير المؤمنين

عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان أميرا للمؤمنين.

 

فقد قتل رجل رجلا واعترف بجُرمه وإن الإعتراف سيد الأدلة، وقدّم للمحاكمة، والقانون

الإلهي وهو “من قتل يُقتل” فلما تأكد أنه مقتول لا محالة قدّم التماسا لأمير المؤمنين،

قال “يا أمير المؤمنين، إن لي صبية صغار، ولي مال قد استودعته لا يعلم مكانه أحد

غيري، فإذا مت ولم أخبرهم به لم يعرفوه، فأذن لي أن أذهب إليه لأعلمهم بموضع المال

ثم أرجع إليك لتنفيذ عقوبة الله عز وجل، فقال عمر رضي الله عنه ومن يضمنك؟ فتفرّس

في وجوه الحاضرين، وكان من أهل البادية ولا يعرف منهم أحدا، ثم نظر إلى أبي ذر

رضي الله عنه وقال هذا يضمنني، فقال عمر رضي الله عنه لأبي ذر، هل تضمنه؟

قال نعم، قال على أنه إذا لم يعد تقتل مكانه، قال على أنه إذا لم يعد أقتل مكانه،

فقال يا رجل، كم يكفيك؟

 

قال ثلاثة أيام، فأجّل إقامة الحد إلى أن يعود هذا الرجل بعد ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث وبعد أذان العصر والقوم مجتمعون لإقامة الحد، والرجل لم يصل بعد، وأصبح الناس مشفقين على أبي ذر لأنه ضمن هذا الرجل ولا يعرفه، وإذا بهم يرون أسودة قادمة من بعيد وحولها غبار، فقالوا، انتظروا لعله يكون الرجل، فإذا بهم يجدون الرجل يأتي مسرعا ليوفى بعهده الذي عاهد عليه المؤمنين وأمير المؤمنين، فتعجّب القوم لأنه كان قد نجا من القتل، وقال له عمر بن الخطاب لِم رجعت بعد أن نجوت من القتل؟ فقال الرجل حتى لا يقال لقد ضاع الوفاء بين الناس، فكان هذا الرجل حريص على أن يظل بين الناس خُلق الوفاء، فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لأبي ذر، ولم ضمنته ولم تعرفه؟

قال أبى ذر حتى لا يقال لقد ضاعت المروءة بين الناس وهذا أيضا حريص على أن تكون المروءة مستمرة في مجتمع المؤمنين، فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لأهل القتيل ماذا تريدان؟ فقال أهل القتيل عفونا عنه يا أمير المؤمنين حتى لا يقال لقد ضاع العفو العفو بين الناس، فكان المجتمع هو الذي يحرص على هذه القيم الإلهية، وهذه الأخلاق القرآنية كان الرجل ينتفض إذا وجد شابّا يُسيئ إلى أبيه، أو يُسيئ إلى أمه ولو كان ليس بينه وبيهم قرابة، لأنه لا يريد أن تسري هذه البلية إلى غيره من الشباب، فتعم البلية كما عمّت في مجتمعنا الآن.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار