- الدكروري يكتب عن خلاف الشيخ محيي الدين مع الظاهر بيبرس
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير والكثير عن الإمام النووين، وهو شيخ الإسلام والمسلمين، وعمدة الفقهاء والمُحدّثين، وصفوة الأولياء والصالحين، وقيل أنه عندما خرج الظاهر بيبرس لقتال التتار بالشام طلب فتاوى العلماء بأنه يجوز أخذ مال من الرعية ليستنصر به على قتال العدو، فكتب له فقهاء الشام بذلك، وقتل خلقا كثيرا من العلماء بسبب إفتائهم له بعدم الجواز، فقال هل بقي أحد؟ فقالوا نعم، بقي الشيخ محيي الدين النووي، فطلبه فقال اكتب خطك مع الفقهاء، فامتنع وقال لا، فقال ما سبب امتناعك؟ فقال أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير بندقدار، وليس لك مال، ثم مَنّ الله عليك وجعلك ملكا، وسمعت أن عندك ألف مملوك كلهم عنده حياصة من ذهب، وعندك مئتا جارية، لكل جارية حق من الحلي.
فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليكك بالبنود الصوف بدلا عن الحياصات الذهب وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي، ولم يبقي في بيت المال شيء من نقد أو متاع أو أرض، أفتيتك بأخذ المال من الرعية، وإنما يُستعان على الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتباع آثار نبيه صلى الله عليه وسلم، فغضب السلطان من كلامه وقال اخرج من بلدي، يعني دمشق، فقال السمع والطاعة، وخرج إلى نوى، فقيل للملك ما سبب عدم قتلك له؟ فقال كلما أردت قتله أرى على عاتقه سبعين يريدان افتراسي فأمتنع من ذلك، أي إن خوفه منه كان بهذه المثابة، وكثيرا ما صرح أنه يخافه، ولما رأى النووي أن المواجهة لم تجدي نفعا عمد إلى الكتابة إليه، بأسلوب فيه ترغيب وترهيب، فكتب إليه ووقع معه بعض العلماء.
خلاف الشيخ محيي الدين مع الظاهر بيبرس
ولا يقوى أحد على فهم الكتاب والسنة والتفقه بهما واستنباط الأحكام منهما، ويستوعب عبارات أئمة الدين من المتقدمين بل المتأخرين، حتى يتقن العربية نحوها وصرفها واشتقاقها، ومعاني مفرداتها، وهذا ما يراه النووي ويحث عليه، يقول رحمه الله في مقدمة كتابه تهذيب الأسماء واللغات ولا حاجة إلى الإطالة في الحث عليها، فالعلماء مجمعون على الدعاء إليها، بل شرطوها في المفتي والإمام الأعظم والقاضي لصحة الولايات، واتفقوا على أن تعلمها من فروض الكفايات، وكتابا النووي تحرير التنبيه، وتهذيب الأسماء واللغات، يدلان على تمكن الإمام بعلم اللغة تمكنا قل نظيره في نظرائه في عصره، وأما عن محاولة اشتغال النووي بالطب، فيقول النووي وخطر لي الاشتغال بعلم الطب.
فاشتريت القانون لابن سينا، وعزمت على الاشتغال فيه، فأظلم عليّ قلبي، وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري من أين دخل عليّ الداخل، فألهمني الله أن اشتغالي بالطب سببه، فبعت في الحال الكتاب المذكور، وأخرجت من بيتي كل ما يتعلق بعلم الطب فاستنار قلبي ورجع إلى حالي، وعدت لما كنت عليه أولا، ولعل الظلمة التي أصابت قلبه مرجعها إلى أنه لم يألف الطب، أو لعله استغلقت عليه مسائله، ويجوز أن يكون النووي قد تأثر في رغبته دراسة الطب بمقولة إمامه الشافعي لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، وكان من أهم مناصب النووي، أنه باشر الإمام النووي التدريس في المدرسة الإقبالية، نيابة عن ابن خلكان إلى آخر سنة ستمائة وتسع وستين للهجرة، كما ناب النووي أي صار نائبا في مدرستي الفلكية والركنية.