الدكروري يكتب عن الحياة دقائق وثواني
الدكروري يكتب عن الحياة دقائق وثوان
بقلم / محمــــد الدكــــروري
إن الحياة دقائق وثوان وإن الوقت من نعم الله العظيمة، يتكرم فيه المولى سبحانه على العباد بفرص العمر الغالية، لعلهم يغتنمون الحياة الدنيا الفانية من أجل الفوز بنعيم الحياة الأخروية الباقية، فالعمر أوقات، أيام، وشهور، وسنوات، والوقت أثمن من الذهب والمال، لأن المال قد يعوض أو يستعاد، لكن الوقت من حيث يمضي لا يعود، إنه وعاء العمر والحياة، من اغتنمه فقد اغتنم عمره وحياته، ومن أضاعه خسر الدنيا والآخرة، وفي غفلة من الناس، وهم بالآمال متعلقون، وعلى حين غرة، يأتيهم الأجل المحتوم، وحينها يتنبهون من غفلتهم، ليدركوا قيمة أوقات الأعمار الضائعة، ويستجدون الفرص الإضافية لعلهم يتداركون، وتزداد الحسرة والندامة يوم القيامة، وقد أزلفت الجنة للمتقين، وبرزت الجحيم للغاوين.
هنالك يدعو المضيعون لأوقات أعمارهم الدنيوية بالويل والثبور، وهم في النار يصطرخون، أما أهل الجنة فليسوا يتأسفون، وهم في النعيم المقيم، إلا على ساعة من الدنيا لم يكونوا لله تعالى فيها من الذاكرين، والعمر مهما امتد وطال ليس إلا لحظات زمنية عابرة، ولكنها فرص ثمينة، قد أفلح من اغتنمها وهو حازم عاقل، وقد خاب من أضاعها وهو واهم غافل، وإن الوقت في حياة المسلم أغلى وأثمن، لما يعلم من قيمته في دينه ودنياه، وقد اهتم به الإسلام، وأولاه عناية كبيرة، حسبكم أن الله تعالى أقسم في كثير من الآيات بظواهره المختلفة تنبيها إلى عظيم شأنه، بل ربط الإسلام كثيرا من العبادات والقربات بأوقات زمنية مخصوصة في الصلاة والزكاة.
والصوم والحج، والنوافل والأذكار وغيرها، والإنسان مطلق الإنسان حريص على الحياة الدنيا، وحريص أن يطول عمره، ولو استطاع أن يخلد في الدنيا لفعل ولكن الله سبحانه وتعالى قهر العباد بالموت والفناء، فحرص الإنسان على طول حياته في هذه الحياة الدنيا بدون أن يتنبه إلى ما يكتسبه في هذه الحياة، قد يكون عليه طامة كبرى، لأن الإنسان إذا طال عمره وساء عمله، فإن طول العمر بالنسبة لهذا الإنسان نقمة وليس بنعمة، فعمرك إنما هو وعاء لأعمالك فلا تكن حريصا على الوعاء، بدون حرص على ما يحتويه هذا الوعاء، لأن قيمة الوعاء بما يحتويه, وقيمة عمرك بما تجنيه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ودعاء المؤمن بطول العمر في الدنيا، ليس المقصود منه طول المكث فيها فقط.
فقد يكون وقتك وعمرك قصيرا، ولكن الخير فيه كثير وكثير جدا، فهذا هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، في فترة وجيزة من عمره لا تتجاوز السنتين ونصف وهي فترة ولايته وخلافتة، ملأ فيها الأرض عدلا، بعدما ملئت جورا وظلما، والمسلم يعلم أنه لن يدرك الجنة إلا بحسن استثمار فرص العمر بكل أوقاته وأحواله فيما يرضي ربه، لأنه عن كل ذلك سوف يسأل، كذلك يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم” لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتي يسأل عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟” رواه الترمذي، وإنه من السفه والغفلة هو إتلاف الوقت وتبديده، فذلك أشد وأوخم من إتلاف المال وتبذيره.
فكل وقت ضائع هو خسارة لجانب من مطالب الدين والدنيا والآخرة، ومن المؤسف المؤلم أن تجد المسلم اليوم أكثر إهمالا وتبذيرا وتبديدا لأوقات عمره الثمينة، وهو على علم ويقين بما ينتظره ليوم القيامة، تلك حال كثير من المسلمين الذين يبيدون الساعات الطوال في المقاهي والملاهي، وألوان الفرجة في الأفلام والمباريات والسهرات، وحول موائد اللعب والقمار وغيرها، لاهين عن ذكر الله، وعن الصلاة، متقاعسين عن صالح الأعمال للدنيا والآخرة، وإذا كان لا مانع من قسط الترفيه والترويح بالضرورة فهو في غير إفراط ولا تفريط.