الحق في صورة الباطل
الحق في صورة الباطل
بقلم / محمـــد الدكـــروري
قيل أن أحد الخلفاء رأى في منامه أن أسنانه سقطت، فقال عليّ بمن يعبرون الرؤيا، حتى يعبروها لي، فجيء بمعبر، فقال له إني رأيت في المنام أن أسناني سقطت، فقال له يموت أولادك كلهم وأنت حي، فغضب عليه الخليفة وأمر بجلده مائة جلدة، وقال عليّ بمعبر آخر، فجيء له بمعبر آخر حكيم فقص عليه رؤياه، فقال له هذا المعبر، يا أمير المؤمنين أنت أطول أهلك عمرا، فأمر له بجائزة ضخمة والنتيجة واحدة، فما دام أنه أطول أهله عمرا فمعنى ذلك أنهم سيموتون قبله لكن الأسلوب الذي قدم له به في الحقيقة يختلف، فالحق أحيانا قد يعتريه سوء تعبير، قد يُعبر الإنسان عن الحق بعبارة لا تخدم الحق.
بل ربما يصور بعض المغرضين الحق بصورة الباطل، من ذلك أنك قد تجد مثلا أن إنسانا يعمل بسنة من السنن، وهذه السنة متفق على أنها من السنن فلو قال للناس إن فلانا يعمل بهذه السنة لقال له الناس وماذا؟ هذا إنسان متبع مجتهد ويجب أن يشكر على عملة، لكنه لا يقول هذا بل يقول إن فلانا متنطع فيه كذا وكذا، وأنه يعتبر هذه السنة واجب، وقد يكفر من لا يعمل بها، وقد يعدها ركنا من أركان الإسلام، وبذلك ألبس الحق لبوس الباطل ولبّس به على الناس، وفي كثير من البلاد الإسلامية أصبحت وسائل للهدم والتخريب كأن يكتب كاتب في أي بلد إسلامى قصة ينشر منها مئات الآلاف من النسخ في المكتبات المختلفة.
خلال فترة وجيزة، لأنها قصة تتحدث عن قضايا الغريزة والجنس والإثارة، فيقبل عليها الشباب والفتيات إقبالا كبيرا، إضافة إلى أعداد هائلة من الدواوين الشعرية، التي تسير في هذا الاتجاه، زخرفت الباطل وزينته بالحق كم من ديوان صدر وتلقفته الأيدى في كل مكان، وترى الكتاب يباع بأغلى الأسعار، ولا تخلو منه مكتبة، ومئات الآلاف من النسخ تطبع منه، فيروج بشكل رهيب، لماذا؟ إنه زخرف القول تزيين الباطل، فهذا نموذج يؤكد لك أن الكلمة من أخطر ميادين الصراع بين الأنبياء وأعدائهم، والذين ينخدعون بهذه الأشياء من هم؟ فيقول الله تعالى فيهم كما جاء فى سورة الأنعام ” ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة”
إذن لا تروج هذه الأشياء، إلا حين يكون هناك خواء وفراغ روحي وعقلى، فتصبح الشعوب مستعدة لتلقى هذا الزخرف من القول، فلو كان عند الناس وعي لما تأثروا بهذا الباطل، لكن المؤسف أنه في غياب الوعي، وفى غياب الإيمان بالآخرة، وفى غياب المفاهيم الصحيحة يكون هناك فراغ يمكن أن يملأ بهذه الأشياء، وهذه القضية أيضا تؤكد على حملة رسالة الإسلام أنهم لا بد أن يستفيدوا من أجهزة الإعلام مسموعة أو مقروءة أو مرئية في الدعوة إلى الحق وحمايته ونشره، وبناء الفضيلة والأخلاق، وأنه لا بد أن يستفيدوا من الوسائل الأدبية من القصة، ومن المقالة، ومن القصيدة، في الوصول إلى كافة الطبقات من الناس.
وإيصال الحق إليهم، فليست مثلا المحاضرة، أو الدرس العلمي، أو الخطبة، أو الموعظة هي الوسيلة الوحيدة، نعم هذه لا شك هي وسائل لها تأثير ولها جمهور ولكن هناك جمهور، آخر لا بد له من وسائل أخرى، لأن الحق لا يجب أن يصل إلى كل أذن بقدر ما يستطاع، فالكلمة الطيبة تقارع الكلمة الخبيثة، ولا بد أن تقال في كل ميدان، وفي كل وسيلة حتى تفعل هذه الكلمة الطيبة فعلها.