الدكروري يكتب عن الرسول يخاطب عقول البشر
الدكروري يكتب عن الرسول يخاطب عقول البشر
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إنسان يخاطب عقول البشر ويعلم جيدا طبيعة الإنسان الحيوانية، وعاداته المعيشية، وعلى ذلك فإذا ما عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لزراعة الأرض، وطرق استثمارها لبيان ما أحله الله تعالى من ذلك، وما يترتب عليه من حقوق وآثار، كان ذلك شريعة واجبة الاتباع، وإن عرض لذلك مبينا كيفية الزراعة وطريقة الغرس، والقيام على إصلاح الزرع والشجر وطرائق ريه ومواعيده، مما يعرف بطريق التجربة والخبرة، كان بيانه هذا إرشادا تجريبيا، ورأيا استنبطه من وسطه، يصيب فيه ويخطئ كغيره من الناس، ولا يعد شيء من ذلك شريعة تتبع، وإذا أخطأ فيه لم ينبهه الوحي إلى خطئه، يدل على ذلك ما أخرجه مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.
وهم يأبرون النخل، فقال ما تصنعون؟ قالوا كنا نصنعه، فقال ” لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا” فتركوه فنفضت، فذكروا له ذلك، فقال ” إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر” وما أخرجه عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال ” لو لم تفعلوا لصلح ” قال فخرج شيصا، فمر بهم فقال ” ما لنخلكم؟” قالوا قلت كذا وكذا، قال “أنتم أعلم بأمر دنياكم” وفي رواية عن طلحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الذي أشار به صلى الله عليه وسلم في أمر إلقاح النخل” إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله”ومدلول هذه الروايات الثلاث أن ما يحدث به صلى الله عليه وسلم عن ربه فذلك هو الدين الذي يجب اتباعه طاعة لله.
أما ما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بأمور الدنيا فرأي يرتئيه، وظن دفعه إليه حدسه، وملاحظته واستنتاجه، فهو كسائر البشر يصيب ويخطئ، وقد يكون غيره فيه أكثر تجربة، وأقوى اتصالا وأعظم خبرة، فيكون في رأيه أقر إصابة، ومن ذلك أن يشير بخطة حربية أو ينزل بجيشه منزلا يرى في النزول به المكيدة والحرب، فإن رأيه هذا لا يكون له من وجوب الطاعة إلا ما لرأي غيره من الأمراء والقادة المحاربين الذي يصدرون في ذلك عن نظر وموازنة، فيصيبون مرة ويخطئون أخرى، ولا يكون دينا أوحي به إليه، ويدل على ذلك متابعته صلى الله عليه وسلم لما رآه الحباب بن المنذر حين أشار عليه بأن ينزل على أدنى ماء من بدر، بدلا عن نزوله حيث نزل في غزوة بدر.
فقال له يا رسول الله، أهذا منزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال له صلى الله عليه وسلم”بل هو الرأى والحرب والمكيدة” فقال الحباب ليس هذا لك بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فإني أعرف غزارته وصفاءه، فننزل ونغور ما عداه من الآبار ثم نبني حوضا، فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون، فقال صلى الله عليه وسلم ” لقد أشرت بالرأي ” ومن ذلك مساومته في البيع والشراء إذا باع أو اشترى، فإن ما يطلبه من صاحبه في ذلك أو يعرضه عليه لا يعد دينا يطلب اتباعه، يدل على ذلك ما كان بينه وبين جابر بن عبدالله رضي الله عنه حين طلب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبيع له بعيره فأبى، إذ لم يكن له غيره ولم يري رسول الله صلى الله عليه وسلم إباءه هذا معصية تستوجب لوما.
فقد أخرج مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يسيبه، قال فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لي، وضربه فسار سيرا حسنا لم يسر مثله، فقال ” بعنيه بوقية ” قلت لا، ثم قال ” بعنيه بوقية” فبعته بوقية، واستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل فنقد في ثمنه، ثم رجعت فأرسل في إثري فقال “تراني قد ماكستك لآخذ جملك، خذ جملك ودراهمك فهو لك” ويدل هذا على أن أمره صلى الله عليه وسلم جابرا أن يبيعه الجمل لم يكن تشريعا صادرا عن وحي، وإنما كان مجرد رغبة عرضها على وجه المساومة، كما يفعل غيره من الناس، حين يساوم فيما يرغب في شرائه، وقد روى أبو نضرة، عن عمران بن حصين.
أن رجلا أتاه فسألَه عن شيء فحدثه، فقال الرجل حدثوا عن كتاب الله عز وجل، ولا تحدثوا عن غيره، فقال “إنك امرؤ أحمق، أتجد في كتاب الله صلاة الظهر أربعا لا يُجهر فيها؟ وعدّ الصلوات، وعدّ الزكاة ونحوها، ثم قال “أتجد هذا مفسّرا في كتاب الله؟ كتاب الله أحكم ذلك، والسنة تفسر ذلك”
الدكروري يكتب عن الرسول يخاطب عقول البشر