الدكروري يكتب عن العائد في العطية كالكلب
الدكروري يكتب عن العائد في العطية كالكلب
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد وضح لنا النبي صلي الله عليه وسلم أن صاحب الهدية لا يجب أن يرجع فيها وأن يعود فيها وأن يسحب هديتة مرة أخري أو يردها، وفي كل من يهب شيئا، حتى إذا كان الواهب يهب ولده، فإذا رجع فيها شمله هذا الحديث، وهو ” ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه ” رواه البخارى، والذين يجيزون عودة الأب في هبة الولد لأنه ملكه، فقد قالوا عودة الأب كحديث النعمان بن بشير، حيث قال النعمان بن بشير، فرجع أبي فارتجع تلك الصدقة، وكان قد وهبه وأعطاه، فهذا مخصص لعموم من وهب، كأنه يقول من وهب ثم رجع إلا الوالد إذا وهب لولده فرجع عن هبته فلا مانع، والبعض يقول لا، لأن النعمان بشير لم يكن أمضى الهبة، بل كان عرض على عمرة بنت رواحه.
أن يهب للنعمان غلاما، وهي إلى الآن ما قبلت ولا أمضت الهبة، بل قالت لا أقبل حتى تشهد رسول الله، إذاً، عقد الهبة إلى الآن لم ينعقد، فكون بشير يرجع في هبته لولده غلاما فإنه رجع قبل انعقاد عقد الهبة إذا، فهذا الحديث يعم، وإنه ما كان قد أنفذ الهبة ولا كان قد قبضها باسم ولده، لأنه من حقه أن يقبض لولده الصغير، فقالوا رجوعه ليس كالكلب يعود في قيئه، لأنه لم يكن قد أتم وأمضى الهبة بدليل أن زوجته عمرة بنت رواحه قالت لا أقبل، إذا ما تم القبول، وهو أعطى وتولى القبض والقبول، فقد قالت لا، حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا إلى الآن الهبة معلقة حتى يشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس هناك تخصيص للحديث، ويكون هذا الحديث عاما في كل هبة والد أكان أو أخ أو أخت.
فرجع في هبته، وبعضهم يقول إنما هو في الصدقة التبرر والتطوع، لأن المتصدق أخرجها لوجه الله رغبة في الأجر عند الله، فلا ينبغي له أن يبطل نيته تلك وأن يفسخ عقده مع الله تعالى، في تلك الصدقة، بخلاف الهبة للبشر، فإن له أن يعود فيها، ويكون الحديث على رأيهم خاص بمن تصدق بصدقة لفقير أو مسكين لوجه الله تعالى، ويجب أن نعلم أولا الفرق بين الهبة والصدقة، فإن الصدقة هو تعامل مع الله، وينتظر فيها ثواب الله، والهبة تعامل مع الإنسان ينتظر مثوبتها عند الإنسان بمجاملة أو مودة بمصانعة بتمهيد لصداقة أو لقضاء حاجة، وهذه هي الهبة التي تدور في فلك الإنسان، من إنسان إلى آخر، ولكن الصدقة تخرج من فلك الإنسان إلى رب العزة سبحانه وتعالى، فيتعامل مع الله عز وجل.
وعن ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم أجمعين عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال “لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده” رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم، ولا يصح لأحد أن يعطي العطية، وإن العطية والهدية والهبة والنحلة كلها أسماء لمسمى واحد، ولا يختلف ذلك إلا مع الصدقة، لأن الصدقة تعامل مع الله، يرجو فيها ثواب الله، ولهذا يخفيها ولا يريد أن يطلع عليها أحد، بخلاف الهبة فإنه قد يرائي فيها ويظهر المصانعة مع الآخرين، ولا يحق لإنسان أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد إذا أعطى ولده له أن يرتجع، ويرتجع لأي شيء؟ هل يرتجع عن أصل الهدية ويقف عنها ويلغيها.
أم يرتجع ليسوي بين هذا الشخص وبين بقية إخوته؟ وهذا هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـبشير ” اتقوا الله وسووا بين أولادكم” إما أن يعطي بقية الأولاد كما أعطى هذا الولد، وإن كان لا يوجد عنده ما يكفي لعطاء جميع الأولاد كهذا الولد ارتجع مما أعطاه لهذا الولد وكمل به ما معه ليعم العطاء لجميع الأولاد، فالوالد هنا قد يضطر إلى الرجوع فيما أعطى الولد، لتتم التسوية في عطاء الأولاد، وماعدا الوالد لا حق له في ذلك حتى الجد والأم ليس لهم الرجوع في العطية، وقد تقدمت الإشارة إلى أنه إذا لم يكن هناك أولاد، وكان عطاء من الوالد لولده الواحد، فإن رجوعه فيما أعطى الولد يشترط له بعض الشروط وهو أن تكون العين باقية في ملك الولد، ولو أن الولد وهبها أو باعها.
أو عبدا أعتقه، أو جارية أولدها، فإنه في هذه الحالات لا يملك إرجاعها لأنها انتقلت من ملك الولد إلى ملك الغير، وكذلك الجارية إذا وهب ابنه جارية فاستمتع بها وحملت منه أصبحت أم ولد، وأم الولد لا يملك سيدها أن ينقل ملكها إلى غيره لأنها تعتق عند موته.