المقالات

الدكروري يكتب عن العمل أمانة

الدكروري يكتب عن العمل أمانة
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن العمل الذي يقوم به المرء أمانة وسيسأله الله تعالى عنها يوم القيامة فمن اخذ الأجر حاسبه الله تعالى على العمل، و لقد ضرب لنا القران الكريم صورا لإتقان الأعمال ومنها الإتقان في التعمير والإنشاء، فكثيرا ما نسمع عن انهيار مبنى حديث البناء أو تصدع كوبري قبل تسليمه، فاذا بحثنا عن سبب ذلك لوجدنا أن ذلك سببه هو عدم الإتقان الذي غاب عن المهندس والمقاول الذي قام بالإنشاء، ولقد ضرب الله تعالى مثالا فريدا في الانشاء والتعمير الا وهو إتقان ذي القرنين في بنائه السد، فقد استخدم ذو القرنين اعلى مواصفات التقنية في البناء والإحكام لذلك السد يقول العلامة ابن كثير رحمه الله وأما السد فقد بناه ذو القرنين من الحديد والنحاس، وساوى به الجبال الصم الشامخات الطوال، فلا يعرف على وجه الأرض بناء أجل منه ولا أنفع للخلق منه في أمر دنياهم.

فلو قيل ما هو أنفع بنيان في العالم، فهو سد القرنين، لأنه لو لم يكن موجودا لخرجوا على الناس وأفسدوا الدنيا، وكما أن الإتقان أيضا في حياة نبي الله سليمان عليه السلام، وتأملوا إلى قمة التقدم والإتقان الذي شيد به سليمان عليه السلام ذلك القصر، فقال ابن كثير رحمه الله وذلك أن سليمان، عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصرا عظيما من قوارير، أي من زجاج، وأجرى تحته الماء، فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء، ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه، وهذا من باب الإقحام في الدعوة، والإبهار للكفار حتى يستسلموا ويدخلوا في دين الواحد القهار، فلما شاهدت ما شاهدت علمت أن هذا نبي، تابت ورجعت إلى الله قائلة “رب إني ظلمت نفسي وأسلمت” فما أجمل أن يتخلق المجتمع بهذا الخلق القويم النبيل خلق إتقان العمل وجودته.

حتى يتحقق الأمن والرخاء والسلام، وإن للمتقن عند الله والناس الثواب، وقيل أنه تعطلت ماكينة ضخمة متطورة في سفينة تجارية كبيرة، فقام أصحاب السفينة بإحضار خبراء لإصلاحها واحدا وراء الآخر، ولكن دون جدوى ولا نتيجة ولعدة أيام، ولم يعرف أحد من هؤلاء الحرفيين ما هي العلة في عطل ذلك المحرك الضخم المطور، وبالطبع فإن تعطل مثل هذه السفينة الضخمة عن العمل يؤدي إلى خسارة كبيرة يوميا لذا قام أصحاب السفينة باستدعاء خبير قد تجاوز الستين من العمر، والذي قضى عمره في إصلاح محركات السفن الضخمة، وجاء معه بحقيبة كبيرة مليئة بالعدد والأدوات، وكان أول ما فعله عند وصوله مباشرة هو تفحصه للماكينة الضخمة بدقة من أعلاها لأسفلها، وكان هناك اثنان من ملاك السفينة يتابعون هذا الخبير العالمي بشغف.

ويتمنون في أنفسهم أن يعرف العلة في عطل ذلك المحرك العنيد العاصي على الإصلاح، وبعد أن انتهى هذا الرجل من تفحص الماكينة أو المحرك اتجه إلى حقيبة معداته وأخرج منها مطرقة صغيرة وطقطق برقة على مكان معين من سطح المحرك فعلى صوته بالحركة مجلجلا، لقد دار المحرك الضخم العنيد بعد عناء، وبعد تعطل لمدة أسبوعين كاملين عن العمل، خسر خلاله أصحاب السفينة العملاقة، الكثير والكثير، قام ذلك الخبير بإصلاح ذلك المحرك بهدوء بوضع المطرقة في مكانها وتأكد ملاك السفينة من إصلاح ذلك المحرك بعد أن قامت تلك السفينة برحلة تجارية تجريبية قصيرة نسبيا في عرض البحر بنجاح، وبعد أسبوع استلموا فاتورة من ذلك الخبير المخضرم بعشرة آلاف دولار قيمة الإصلاح.

فصرخ ملاك السفينة العملاقة قائلين بينهم وبين أنفسهم ماذا فعل هذا الشائب العجوز ليطلب هذا المبلغ الضخم؟ وقاموا على الفور بإرسال رسالة له يطلبون فيها فاتورة مفصلة عن تكاليف الإصلاح؟ فأرسل لهم فاتورة كتب فيها تفاصيل التكاليف الكشف على المحرك خمسمائة دولار، الضرب بالمطرقة على موضع الخلل عشرة دولارات، ومعرفة مكان الطرق بالمطرقة الباقي والمجموع عشرة آلاف دولار أمريكي فقط لا غير، هذا هو ثمن الخبرة النادرة والهمة العالية، والتي قد يضطر بعض أصحاب رؤوس الأموال إلى دفع الكثير والكثير ليستفيدوا من تلك الخبرة النادرة فيما يخصهم.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار