الدكروري يكتب عن حياة الزهد في الدنيا
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا عيش المساكين، لم يركن لها، ولو شاء لصار ملكا من ملوكها، ولكنه رفض ذلك، وعاش عيش الزهاد في الدنيا بل هو إمامهم صلوات ربي وسلامه عليه، كان زهده صلى الله عليه وسلم زهد من علم فناء الدنيا وسرعة زوالها، وبقاء الآخرة وما أعدّه الله لأوليائه فيها من نعيم مقيم وأجر عظيم، فرفض صلى الله عليه وسلم الأخذ من الدنيا إلا بقدر ما يسد الرمق، فآثر حياة الزهد، وخيّره ربه بين أن يكون ملكا رسولا أو عبدا رسولا، فاختار أن يكون عبدا رسولا، يشبع يوما ويجوع يوما، حتى لقي الله عز وجل، زهدا في الدنيا وترفعا على متاعها، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال “جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء.
فإذا ملك ينزل، فقال له جبريل هذا الملك ما نزل منذ خُلق قبل الساعة، فلما نزل قال يا محمد أرسلني إليك ربك، أملكا أجعلك أم عبدا رسولا؟ قال له جبريل تواضع لربك يا محمد” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم”بل عبدا رسولا” رواه احمد، وإذا تأملنا بيت وحياة النبي صلى الله عليه وسلم رأينا عجبا، فبيته من طين، متقارب الأطراف، داني السقف، ينام فيه على الحصير حتى أثر في جنبه، وربط الحجر على بطنه من الجوع، وربما عرف أصحابه أثر الجوع في وجهه، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته من خلقه، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم” رواه البخارى.
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه أدما حشوه ليف” وأخرجت رضي الله عنها كساء ملبدا وإزارا غليظا، فقالت “قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين” رواه البخارى ومسلم، فهذه حال من عرف الدنيا فلم يغتر بها، وهكذا كانت حياة أصحابه من بعده رضوان الله عليهم، وإن حب الدنيا وتقديمها على الآخرة من أعظم البلايا التي تصيب الأمة في دينها ودنياها، ولذا جاء عند أبي داود عن ثوبان رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها” فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ؟ قال “بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل.
ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن” فقال قائل يارسول الله وما الوهن؟ قال “حب الدنيا وكراهية الموت” والناظر إلى تاريخ الأمة يجد أنه لا يمكن أن تستباح أراضيها وأعراضها وحرماتها إلا عندما تتخلى عن دينها ولا تتخلى عن دينها إلا إذا رغبت في دنياها، وهذا ما حصل أيام دخول التتار إلى بغداد، فقد عاثوا فيها الفساد، وقتلوا آلاف المسلمين، بل وذبحوا ذبحا حتى وصل الحد إلى أن ذبح خليفة المسلمين آنذاك، ولم يحدث ذلك إلا عندما تنكرت الأمة لمبادئها، وقيمها، ودينها، وعندما كثر حبهم للدينار والدرهم، وشغلهم ذلك عن إقامة دينهم، وحماية مقدساتهم وأراضيهم وأعرضهم، وعندما كثر المنافقون فيها وعلت رايتهم، ونزلت، أو نزّلت راية العلماء.
وعلت أو أعليت مزامير وطبول الفساق، وهذه مصيبة كبرى في تاريخ الأمة المحمدية، فإن البهيمة تدافع عن نفسها وعن بيتها وعن عرضها وهي حيوان لا يعقل، لكن فطرتها جعلتها تدافع عن نفسها، وتصد عنها ما يؤذيها، بينما المسلمون الذين كرمهم الله بالإسلام لم يقدروا أن يدفعوا عن أنفسهم ومبادئهم وقيمهم الإسلامية كثيرا من الشرور، لا لشيء إلا لأنهم لأنهم تخلوا عن دينهم ووضعو قيم ومبادئ الأمم الغربية والشرقية المنافية لما عليه ديننا الحنيف موضع تقدير واحترام، فيقول تعالى ” ومن يهن الله فما له من مكرم” فقد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، استبدلوا بالآخرة حب الدنيا وكراهية الموت.