الدكروري يكتب عن فإنها محرمة عليهم
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد جاء في كتاب الله تعالي قوله عز وجل ” قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض” ومعنى محرمة أي أنهم ممنوعون من دخولها وهم بنو إسرائيل عندما عاقبهم الله بالتيه في الأرض، وكما يقال حرم الله وجهك على النار، وحرمت عليك دخول الدار، فهو تحريم منع لا تحريم شرع، وذلك عن أكثر أهل التفسير، وقيل كيف يجوز على جماعة كثيرة من العقلاء أن يسيروا في مكان ضيق وقطعة يسيرة من الأرض فلا يهتدوا للخروج منها ؟ والجواب قال أبو علي أنه قد يكون ذلك بأن يحول الله الأرض التي هي عليها إذا ناموا فيردهم إلى المكان الذي ابتدءوا منه، وقد يكون بغير ذلك من الاشتباه والأسباب المانعة من الخروج عنها على طريق المعجزة الخارجة عن العادة.
وكلمة أربعين هى ظرف زمان للتيه، وإن أربعين سنة ظرف للتحريم، فالوقف على هذا على أربعين سنة فعلى الأول إنما دخلها أولادهم، قاله ابن عباس ولم يبق منهم إلا يوشع وكالب، فخرج منهم يوشع بذرياتهم إلى تلك المدينة وفتحوها، وعلى الثاني فمن بقي منهم بعد أربعين سنة دخلوها، وروي عن ابن عباس أن موسى وهارون ماتا في التيه، ونبأ الله يوشع وأمره بقتال الجبارين، وفيها حبست عليه الشمس حتى دخل المدينة، وفيها أحرق الذي وجد الغلول عنده وكانت تنزل من السماء إذا غنموا، نار بيضاء فتأكل الغنائم وكان ذلك دليلا على قبولها، فإن كان فيها غلول لم تأكله، وجاءت السباع والوحوش فأكلته فنزلت النار فلم تأكل ما غنموا فقال إن فيكم الغلول فلتبايعني كل قبيلة فبايعته، فلصقت يد رجل منهم بيده.
فقال فيكم الغلول فليبايعني كل رجل منكم فبايعوه رجلا رجلا حتى لصقت يد رجل منهم بيده فقال عندك الغلول فأخرج مثل رأس البقرة من ذهب، فنزلت النار فأكلت الغنائم، وكانت نارا بيضاء مثل الفضة لها حفيف أي صوت مثل صوت الشجر وجناح الطائر فيما يذكرون فذكروا أنه أحرق الغال ومتاعه بغور يقال له الآن عاجز، عرف باسم الغال وكان اسمه عاجزا، والغال في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “غزا نبي من الأنبياء” رواه مسلم، وفيه قال صلى الله عليه وسلم ” فغزا فأدنى للقرية حين صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي شيئا فحبست عليه حتى فتح الله عليه قال فجمعوا ما غنموا.
فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه فقال فيكم غلول فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه، قال فلصقت يده بيد رجلين أو ثلاثة فقال فيكم الغلول وذكر نحو ما تقدم” وقال العلماء أن الحكمة في حبس الشمس على يوشع عند قتاله أهل أريحاء وإشرافه على فتحها عشي يوم الجمعة، وإشفاقه من أن تغرب الشمس قبل الفتح أنه لو لم تحبس عليه حرم عليه القتال لأجل السبت، ويعلم به عدوهم فيعمل فيهم السيف ويجتاحهم، فكان ذلك آية له خص بها بعد أن كانت نبوته ثابتة بخبر موسى عليه الصلاة والسلام، على ما يقال ، والله أعلم.
الدكروري يكتب عن فإنها محرمة عليهم