مراة ومنوعات

الدكروري يكتب عن فتنة المال والجاه

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بالصدق من عند ربه، فكلامه صدق وسنته صدق، ورضاه صدق وغضبه صدق، ومدخله صدق ومخرجه صدق، وضحكه صدق وبكاؤه صدق، ويقظته صدق ومنامه صدق، وكلامه كله حق وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جادا أو مازحا، بل حرّم الكذب وذمّ أهله ونهى عنه، وكل قوله وعمله وحاله مبني على الصدق، فهو صادق في سلمه وحربه، ورضاه وغضبه، وجدّ وهزله، وبيانه وحكمه، صادق مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والرجل والمرأة، صادق في نفسه ومع الناس، في حضره وسفره، وحله وإقامته، ومحاربته ومصالحته، وبيعه وشرائه، وعقوده وعهوده ومواثيقه، وخطبه ورسائله، فهو الصادق المصدوق، الذي لم يحفظ له حرف واحد غير صادق فيه.

ولا كلمة واحدة خلاف الحق، ولم يخالف ظاهره باطنه، بل حتى كان صادقا في لحظاته ولفظاته وإشارات عينيه، وهو الذي يقول لما قال له أصحابه ألا أشرت لنا بعينك في قتل الأسير؟ ” ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين” فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام والرسالة، فكيف حاله بالله بعد الوحي والهداية ونزول جبريل عليه ونبوته وإكرام الله له بالاصطفاء والاجتباء والاختيار؟ وقد حذر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من الفتن وخاصة فتنة النساء وفتنة المال، وإن فتنة المال من الفتن العظيمة التي وقع فيها المسلمون، وفتنة الجاه من الفتن الكبيرة التي أودت بكثير من أخلاق المسلمين، وهذه الفتنة التي عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنها، فقال “إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم، لا يخشى على أصحابه الفقر.

فقال صلى الله عليه وسلم “ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم تنشغلون بالدنيا وبالأموال، فتفتنون، فيصيبكم ما أصاب الأمم من قبلكم” ونحن نرى اليوم كثيرا من الناس إذا أصابته نعمة من الله كفروا، وإذا وسع الله عليهم شيئا من معيشتهم نسوه، وإذا أعطاهم الله وظيفة أو جاه تكبروا على عباد الله، ما هو السبب الذي يجعل كثير من النفوس تصاب بهذا المصيبة الكبيرة؟ أو رجل يزاد له في دخله شيء، أو يتجر تجارة، أو يكثر أمواله بوجه من الوجوه، فتخرب نفسه، ويتعالى على عباد الله، ويقطع الرحم، ويتكبر في الأرض، ويفسد فيها، ويعلو علوا كبيرا، وإن الأموال والأولاد قد تكون نعمة يسبغها الله تعالى على عبد من عباده، حين يوفقه إلى الشكر على النعمة، والإصلاح بها في الأرض.

والتوجه بها إلى الله، فإذا هو مطمئن الضمير، ساكن النفس، واثق من المصير، فكلما أنفق احتسب وشعر أنه قدم لنفسه ذخرا، وكلما أصيب في ماله أو بنيه احتسب، فإذا السكينة النفسية تغمره والأمل في الله يُسرّي عنه، وقد تكون الأموال والأولاد نقمة يصيب الله بها عبدا من عباده، لأنه يعلم من أمره الفساد والدخل، فإذا القلق على الأموال والأولاد يحوّل حياته جحيما، وإذا الحرص عليها يؤرقه ويتلف أعصابه، وإذا هو ينفق المال حين ينفقه في ما يتلفه ويعود عليه بالأذى، وإذا هو يشقى بأبنائه إذا مرضوا، ويشقى بهم إذا صحُوا، وكم من الناس يعذبون بأبنائهم لسبب من الأسباب، وهؤلاء الذين يملكون الأموال ويرزقون الأولاد، يُعجب الناس ظاهرها، وهي لهم عذاب.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار