أخبار ومقالات دينية
الدكروري يكتب عن بلقيس تدخل صرح سليمان
الدكروري يكتب عن بلقيس تدخل صرح سليمان
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد ذهب الملكة بلقيس إلي نبي الله سليمان عليه السلام هي وجنودها وبينما هى محاصرة بين يدى من كان ينذرها بهلاك محقق بالأمس القريب، وهو نبي الله سليمان، ووطأة صولجانه المبهر، الذى فوجئت بعرشها مستقرا عنده، بعدما جىء به إليه فى لمح البصر، فيما أذهلها صرح سليمان الممرد من قوارير والذى حسبته لجة وكشفت عن ساقيها إبان سيرها عليه، أظهرت ملكة سبأ من التماسك ورباطة الجأش ما لا يتسنى لكثير من الملوك الرجال فى مثل هذا الموقف الصعب، فما كان الانبهار اللافت الذى تملكها عند رؤية صرح نبي الله سليمان عليه السلام الذى لم يعهده البشر، ليسلبها الاتزان والروية فى ردها على سؤاله إياها كما قال تعالي “أهكذا عرشك؟” حيث كان ردها “كأنه هو” إذ لم تجزم بأنه هو لتيقنها من تركها له.
بمأمن فى سبأ غير متصورة أن يتسنى لأية جهة، مهما كان مبلغها من القوة، الاجتراء على انتزاعه من قبضة حراسها الأشداء وجلبه من مملكتها إلى الشام فى وقت قياسى، كما أنها لم تنفي أن يكون هو عرشها بالفعل، ثقة منها فى قدرة نبي الله سليمان الخارقة المستمدة من قدرة الإله الخالق العظيم على النيل منه، وثقتها فى أن ما عرضه أمامها يشبهه حقا رغم التغيير والتنكير الذى ألحقه به سليمان بقصد التمويه لاختبار فطنتها، ولقد أبلت الملكة الحكيمة بلقيس بلاء حسنا وأظهرت فيض رشادة وحسن تدبير، حينما لم تتردد فى إعلان الإيمان بالله ونبيه، بل والاعتراف بالخطأ وبطلان ما كانت عليه فيما مضى من فساد العقيدة، خصوصا بعدما أيقنت أنها وقومها كانوا ظالمين لأنفسهم بشركهم وعبادتهم لغير الله.
حتى أنها بدأت صفحة جديدة مع الله عز وجل بطلب عفوه عن ذلك الضلال البعيد، ويحسب لبلقيس أنها لم تسلم لله تعالي على تخوف من سليمان وجبروته، وإنما قناعة منها بدعوة الحق حيث جاء فى الذكر الحكيم ” قالت ربى إنى ظلمت نفسى وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين” فلم تقل إنها أسلمت لسليمان وإنما معه، والمعية هنا تفيد الاقتناع وتقدير الخالق العظيم حق قدره دون الافتتان بما تراءى لها من مكانة سليمان وعظمة ملكه وفخامة عرشه أو حتى الخشية من جدية وصدقية وعيده، فبفضل نفاذ بصيرتها وحسن بلائها، نأت بلقيس، بنفسها ورعيتها عن تداعيات مراوغة المرأة ومكابرة الملوك، حيث جنحت بفراستها وفطنتها، لالتماس النجاة الحقيقية لها ولمملكتها عبر الاهتداء بضياء الحق المبين.
بدلا من الهلاك المحقق فى ظلمات الكفر والضلال إثر مواجهة خاسرة وغير متكافئة مع قوة الحق الضاربة، ومثلما غدت سير أكمل نساء الأرض، كخديجة بنت خويلد أولى أزواج خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلي الله عليه وسلم والسيدة مريم العذراء البتول، وآسيا امرأة فرعون، مضربا للأمثال الإلهية ونموذجا يحتذى لكل نساء العالمين، فقد جسد ذكر المولى، جلا وعلا، لقصة ملكة سبأ، فى كتبه السماوية بكل ما تنطوى عليه من رسائل ودروس وعبر، دليلا ساطعا على إعلائه سبحانه وتعالى من شأن المرأة المؤمنة الرشيدة، فى كل زمان ومكان، لتبقى نبراسا مضيئا وقبسا ملهما لبنى البشر قاطبة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الدكروري يكتب عن بلقيس تدخل صرح سليمان