مقالات دينية

الفاروق مع العفو والوفاء

جريدة موطنى

الفاروق مع العفو والوفاء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه اجمعين وسلم تسليما كبيرا أما بعد، اعلموا أن من آداب الإسلام هو إعانة المسلمين بعضهم بعضا، وإن إحدى حقوق المسلم على أخيه أن يعينه ولا يخذله فإذا أحببت أن تكون مباركا، فاحرص على نفع الناس حيثما كنت، وابذل الخير علما أو نصحا أو مالا ولا تنتظر من الخلق جزاء ولا شكورا، ولا تسمع للطاعنين في نيتك، فربك أعلم بها، تعلم كيف تهدي النور لمن حولك، وإن كانت خفاياك متعبة، فثواب العطاء يخبئ لك فرجا، من حيث لا تحتسب” فرحم الله تعالي من تعامل باللين وتحدث بالجميل وأوفى بالوعود. 

وستر ما رأى من عيوب، ولنا الوقفة مع وفاء الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقد أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان في المجلس، وهما يقودان رجلا من البادية فأوقفوه أمامه، قال عمر ما هذا؟ قالا يا أمير المؤمنين، هذا قتل أبانا، قال أقتلت أباهم؟ قال نعم قتلته، قال كيف قتلتَه؟ قال دخل بجمله في أرضي، فزجرته فلم ينزجر، فأرسلت عليه ‏حجرا وقع على رأسه فمات، قال عمر النفس بالنفس، لا بد أن تقتل كما قتلت أباهما، قال الرجل يا أمير المؤمنين، أسألك بالذي رفع السماء بلا عمد ‏أن تتركني ليلة لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية، فأخبرهم ‏بأنك ‏سوف تقتلني ثم أعود إليك، والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا، قال عمر مَن يكفلك أن تذهب إلى البادية ثم تعود إليّ؟ فسكت الناس جميعا لأنهم لا يعرفون اسمه ولا داره ‏ولا قبيلته، فكيف يكفلونه؟ 

فسكت الناس وعمر متأثر لأنه ‏وقع في حيرة، هل يقدم فيقتل هذا الرجل وأطفاله يموتون جوعا هناك؟ أو يتركه فيذهب بلا كفالة فيضيع دم المقتول؟ وسكت الناس ونكس عمر ‏رأسه والتفت إلى الشابّين أتعفوان عنه؟ قالا لا، مَن قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين، قال عمر مَن يكفل هذا أيها الناس؟ فقام أبو ذر الغفاري بشيبته، وقال يا أمير المؤمنين، أنا أكفله، قال عمر هو قتل، قال ولو كان قاتلا، قال أتعرفه؟ قال ما أعرفه، قال كيف تكفله؟ قال رأيت فيه سمات المؤمنين فعلمت أنه لا يكذب، وسيفي بعهده إن شاء الله، قال عمر يا أبا ذر، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك؟ قال الله المستعان يا أمير المؤمنين، فذهب الرجل وأعطاه عمر ثلاث ليال، يُهيّئ فيها نفسه، ويُودع ‏أطفاله وأهله، وينظر في أمرهم بعده ثم يأتي ليُقتص منه لأنه قتل.

وبعد ثلاث ليال لم ينسي عمر الموعد، وفي العصر ‏نادى ‏في المدينة الصلاة جامعة، فجاء الشابّان، واجتمع الناس، وأتى أبو ‏ذر ‏وجلس أمام عمر، قال عمر أين الرجل؟ قال ما أدري يا أمير المؤمنين، وتلفت أبو ذر إلى الشمس، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها، وقبل الغروب بلحظات، إذا بالرجل يأتي، فكبّر عمر وكبّر المسلمون‏ معه، فقال عمر أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ما شعرنا بك ‏وما عرفنا مكانك، قال يا أمير المؤمنين، والله ما عليّ منك ولكن عليّ من الذي يعلم السر وأخفى، ها أنا يا أمير المؤمنين، تركت أطفالي كفراخ‏ الطير لا ماء ولا شجر في البادية، وجئت لأقتل، وخشيت أن يُقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس، فسأل عمر بن الخطاب أبا ذر الغفاري لماذا ضمنته؟ 

فقال أبو ذر خشيت أن يُقال لقد ذهب الخير من الناس، فوقف عمر وقال للشابّين ماذا تريدان؟ قالا وهما يبكيان عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه ووفائه بالعهد، وقالا نخشى أن يُقال لقد ذهب العفو من الناس، قال عمر بن الخطاب الله أكبر، ودموعه تسيل على لحيته.

الفاروق مع العفو والوفاء

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار