المقالات

المال النافع للعبد

جريده موطني

المال النافع للعبد

بقلم / محمـــد الدكـــروري

المال النافع للعبد

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين، ونصلي ونسلم ونبارك علي إمام الأنبياء والمتقين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، قيل أنه قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله أنه كان هارون الرقي رحمه الله قد عاهد الله ألا يسأله أحد كتاب شفاعة إلا فعل، فجاءه رجل فأخبره أن ابنه قد أُسِر بالروم، وسأله أن يكتب إلى ملك الروم في إطلاقه، فقال له ويحك ومن أين يعرفني وإذا سأل عني قيل هو مسلم، فكيف يقضي حقي؟ فقال له السائل اذكر العهد مع الله تعالى، فكتب له إلى ملك الروم، فلما قرأ الكتاب، قال من هذا الذي قد شفع إلينا؟ قيل هذا رجل قد عاهد الله ألا يُسأل كتاب شفاعة إلا كتبه إلى أي من كان، فقال ملك الروم هذا حقيق بالإسعاف، أطلقوا أسيره، واكتبوا جواب كتابه.

 

وقولوا له اكتب بكل حاجة تعرض، فإنا نشفعك فيها وقيل أنه قال يعقوب بن شيبة رحمه الله أنه أظل عيد من الأعياد رجلا وعنده مائة دينار، لا يملك سواها، فكتب إليه رجل من إخوانه يقول له قد أظلنا هذا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، ويطلب منه ما ينفقه، فجعل المائة دينار في الصرة وختمها وأرسلها إليه، فلم تلبث الصرة عند الرجل إلا يسيرا، حتى وردت عليه رسالة أخ من إخوانه، فذكر له فيها ضيق حاجته في العيد، ويطلب منه المساعدة، فوجه بالصرة إليه بختمها وبقي الأول لا شيء عنده، فكتب إلى صديق له، وهو الثالث الذي صارت إليه الدنانير، يذكر حاجته، ويطلب منه ما ينفقه في العيد، فأرسل إليه الصرة بخاتمها، فلما عادت إليه صرته التي أرسلها بحالها، ركب إليه ومعه الصرة.

 

وقال له ما شأن هذا الصرة التي أرسلتها إلي؟ فقال له إنه أظلنا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، فكتبت إلى فلان أخينا أطلب منه ما ننفقه، فأرسل إلي هذه الصرة، فلما وردت رسالتك علي أرسلتها إليك، فقال له قم بنا إليه، فركبا جميعًا إلى الثاني ومعهما الصرة، فتبادلوا الحديث، ثم فتحوا الصرة فاقتسموها بينهم، وكما قال الإمام الغزالي رحمه لله أنه كان بعض السلف يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجتهم يتردد كل يوم إليهم، ويمونهم من ماله، فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه، بل كانوا يرون منهم ما لم يروا من أبيه في حياته، وكان أحدهم يتردد إلى باب دار أخيه يقوم بحاجته من حيث لا يعرفه أخوه، وبهذا تظهر الشفقة، والأخوة إذا لم تثمر الشفقة حتى يشفق على أخيه.

 

كما يشفق على نفسه، فلا خير فيها” وهكذا فإن المال النافع للعبد هو المال الذى قدمه لآخرته، فأنفقه وفق شرع الله تعالى، إما في نفقة واجبة أو بر وإحسان ومعروف مستحب، ولكن أيحزن المتصدق أم يسعده أن يكون يوم القيامة حين تدنو الشمس من الرؤوس في ظل صدقته، وهل أيحزن المتصدق أم يسعده أن يأتي يوم القيامة وقد أطفأت صدقته خطاياه، فأحسنوا إلى أنفسكم فتصدقوا ولا تبخلوا، وإياكم أن تحتقروا قليل الصدقة، فتردكم أو تضعفكم عن الإنفاق في وجوه البر، وميادين الإحسان، فإن قليل الصدقة ولو كان نصف تمرة يحجب عن النار، وإن كان بكم خوف فلا تخافوا من الفقر، وإن كنتم في قلق فلا تقلقوا من الفقر، ولا تخافوا ولا تخشوا إلا من الدنيا أن تبسط عليكم فتنافسوها، وتلتهوا بها، وتهلكوا بسببها، وما يضر المسلم لو عاش في هذه الدنيا فقيرا.

 

فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب محبوسون” وأصحاب الجد، هم أهل الغنى والوجاهة، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ” يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام”المال النافع للعبد

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار