قصة

بلاغـــة النســــــاء

جريده موطني

بلاغـــة النســــــاء

بقلم الأديب المصري

د. طارق رضوان جمعة

بلاغـــة النســــــاء

“أنت يا بني أعلم بنفسك. إن كنت تعلم أنك على حق واليه تدعو فامض له, فقد قتل عليه أصحابك, ولا تمكن من رقبتك غلمان بنى أمية, وان كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك, وان قلت كنت على حق فلما وهن أصحابى ضعفت, فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين”… أسماء بنت أبى بكر لأبنها عبد الله خليفة المسلمين.

 

رجل تجمعت فيه كل التناقضات, فهو حافظ للقران كاره للصلاة. وهو معلم للصغار ثم صار قائد جيوش متعطش لسفك الدماء. محب لرسول الله ولكنه هدم بالمنجنيق أجزاء من الكعبة. قتل أكثر من 120 الف مسلم منهم المحدثين وأهل العلم والتابعين, وهو من أقام السدود وحفر القنوات وأصلح حال البلاد وضرب بقوة على ايدى اللصوص. هو رجل صغير الجسد ذو نظرة مرعبة. رجل بليغ اللسان , عنيد, مقدام على سفك دماء كل من خرج على السلطان, بل وطرده من الملة فجعله كافر واستحل دمه. احتار المفكرون وأرباب القلم في تصنيفه هل هو رجل دولة أم رجل دين؟ قال عنه الإمام الذهبي:” كان رجلا ظلوما جبارا خبيثا ذو شجاعة وإقدام ومكر ودهاء”.

تبدأ قصة الحجاج وسبب شهرته حين تولى عبد الله بن الزبير الخلافة بعد وفاة يزيد بن معاوية وفى نفس الوقت كانت اغلب القوة العسكرية فى يد الأمويين وخليفتهم مروان بن الحكم. فأصبح الحجاج في حيرة من أمره, ولا يعلم إلى أى الفريقين ينضم. كان الحجاج طموحا. وطموحه الجامح دفعه للسفر وترك الطائف للتقرب من الأمويين. وبموت مروان بن الحكم تولى أبنه عبد الملك وعندما أخبروه بموت والده وأنه أصبح الخليفة كان في يده المصحف فأغلقه وقال قولة شهيرة :” هذا فراق بيني وبينك”.

نجح الحجاج فى الانضمام لشرطة الأمويين والتي كان بها مشاكل كثيرة من سؤ التنظيم وغيره. وبسبب شكله المخيف وبلاغته استطاع التقرب من رئيس الشرطة ويدعى روح بن زنباع الذي ساعد الحجاج على الترقي فى سلك الشرطة سريعا بل وقدمه لعبد الملك بن مروان. وصار الحجاج رئيسا للحرس واصرف فى معاقبة المخالفين, فاستتب له الأمر وأطاعه الجميع. ثم ولاه عبد الملك بن مروان أميرا على العراق لما رأى منه من حزم وشجاعة وفصاحة.

الحجاج وال الزبير

وقطع رأس مصعب بن الزبير والى العراق وأرسلها لأخيه عبد الله بن الزبير فى الحجاز. ولما استقر آمر العراق, بدا عبد الملك فى التخطيط للسيطرة على الحجاز والتخلص من عبد الله بن الزبير . وكان الحجاج بالطبع هو القائد المكلف بهذا فقتل عبد الله بن الزبير وصلبه على الكعبة ثلاثة أيام, عبد الله بن الزبير التقى البار بوالديه, وأمه كريمة الأصل هي أسماء بنت أبى بكر ذات النطاقين. وكانت السيدة أسماء فى هذا الوقت قد فقدت بصرها وصارت فوق المائة عام. وبعد قتل عبد الله وقطع رأسه دار حوار شهير بين الحجاج والسيدة أسماء يدل على عنف وقسوة الحجاج. قال لها :” كيف رأيتينى فعلت بعبد الله؟ قالت رأيتك أفسد عليه دنياه, وأفسد عليك دينك”.

 

الحجاج وسعيد بن جبير

كل هذه الفتوحات والدماء التي سفكت ولم يبالى الحجاج أو يشعر بالرأفة, حتى قتل الحجاج سعيد بن جبير والذي دعي الله قائل:” اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدى”. كان الحجاج يصرخ ليلا ويقول مالي ومال سعيد بن جبير من كثرة الكوابيس, وأصابه مرض خبيث وإحساس شديد بالبرودة (الزمهرير). فلما سألوه ألا تتوب؟ قال:” ان كنت مسيئا فليست هذه ساعة التوبة, وان كنت محسنا فليست ساعة الفزع ودعي الله وقال اللهم اغفر لى فان الناس يزعمون أنك لا تفعل”.

الحجاج وهند

تزوج الحجاج من امرأة تدعى هند رغما عنها وعن أبيها. وبعد مرور عام سمعها الحجاج تترنم أمام المرأة قائلة:

وما هذه إلا مهرة عربية سليلة فراس تحللها بغل

فان ولدت مهر فلله درها وان ولدت بغل فقد جاء به البغل

فطلقها الحجاج. وقامت بإغراء بعض الشعراء بالمال حتى يتغنوا بجمالها عند عبد الملك بن مروان الذي أعجب وأفتتن بها, فتزوجها بعد أن وافق على شرطها وهو ألا يسوق بعيرها من مكانها هذا إلى قصر الخليفة إلا الحجاج. وبينما الحجاج يسوق الراحلة , تعمدت هند أن ترمى دينارا, ونادت الحجاج قائلة يا غلام لقد وقع منى درهم فأعطنيه. فلما وجده الحجاج قال انه دينار وليس درهم. فقالت :” الحمد لله الذي أبدلنى بدل الدرهم دينارا”

أى أنها تزوجت خيرا منه. فلما جهزوا وليمة الفرح, تأخر الحجاج فأرسل الخليفة فى طلبه فقال الحجاج:” ربتنى أمى ألا أكل فضلات الرجال”. ففهمه الخليفة وأسرها فى نفسه وعزم على ألا يدخل بهند فاعتزلها. ولجأت هند الى الحيلة حتى رأى الخليفة جمالها فتجاهل مقولة الحجاج ونجحت هند فى جذب زوجها لها. فقالت هند لتقنع عبد الملك بن مروان بأنها زوجة جميلة صالحة:

إن هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك. ولكن شاءت حكمته ألا يستطيع ثقبه إلا الغجر.

 

وأختتم الحجاج حياته بوصية قال فيها:” لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك عليها يحيا وعليها يموت وعليها يبعث”. تُرى هل كان رجل دين أم رجل سياسة؟بلاغـــة النســــــاء

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار