عن اتهام ابن مجاهد بقلة الإطلاع وعدم المعرفة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن قراءات القرآن الكريم، وقال ابن مجاهد عن القراء السبع، فهؤلاء السبعة من أهل الحجاز والعراق والشام خلفوا في القراءة التابعين، وأجمع على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار وغيرها من البلدان، التي تقرب من هذه الأمصار، إلا أن يستحسن رجل لنفسه حرفا شاذا فيقرأ به من الحروف التي رويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخل في قراءة العوام، ولا ينبغي لذي لب أن يتجاوز ما مضت عليه الأئمة والسلف بوجه يراه جائزاً في العربية أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه، ولم يعرف القراء قبل ابن مجاهد التسبيع، ولا كان مؤلفوهم يخصونهم بالذكر، ولما سبع ابن مجاهد أخذوا عليه في هذا التسبيع أمورا، وهي إن الاقتصار على سبعة.
يوهم أن ذلك هو المراد من حديث الأحرف، وإن لم يكن هو مراد ابن مجاهد، وقد وجد من قال بذلك، ونبه العلماء على خطئه، وقد اتهم ابن مجاهد بقلة الإطلاع وعدم المعرفة الواسعة بالرواة عن الأئمة القراء، وأنه قدم ما حقه التأخير، واكتفى براويين عن كل إمام مع أن بعضهم قد يوجد له من الرواة الثقات أضعاف ذلك، وأيضا فكما انتقد ابن مجاهد في مسألة تخير الرواة عن الأئمة فقد انتقد في اختيار بعض السبعة، وقال المقرئ ابن عمار المهدوي رحمه الله أما اقتصار أهل الأمصار في أغلب أمورهم على القراء السبعة الذين هم نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر فإن ذلك على سبيل الاختصار، عندما رواه من أكثر القراءة، بسبب اتساع الاختيارات.
فذهب إليه بعض المتأخرين على وجه الاختيار والاختصار، فجعله عامة الناس كالفرض المحتوم، والشرع المعين المعلوم، حتى صار بعضهم إذا سمع قراءة تخالف شيئا مما بلغه من الحروف السبعة خطأ قارئها، وربما كفره، مع كون تلك القراءة التي أنكرها أشهر في القراءات، وأظهر في الروايات، وأقوى في اللغات، وانضاف إلى ذلك أن من قلت عنايته من المتأخرين اقتصر من طريق هذه القراءات السبع، التي اختارها لاقتصار عليها مَن سبقه من المتأخرين على أربع عشرة رواية، فرأى حين اشتهروا عنده وعند أكثر الإقليم الذي هو فيه أن كل رواية جاءت عن هؤلاء السبعة سواها باطل، مع كون ذلك الذي عنده شاذ أشهر وأجل من الذي اعتمد عليه، فإن أحدا من العلماء بالرجال لا يشك أن إسماعيل بن جعفر.
أجل قدرا من ورش عثمان بن سعيد، ومن قالون عيسى بن مينا، وأن أبان بن يزيد العطار أوثق وأشهر من حفص بن سليمان البزاز، وكذلك كثير منهم، ولقد فعل مسبع هؤلاء السبعة ما لم يكن ينبغي أن يفعله، وأشكل على العامة حتى جهلوا ما لم يسعهم جهله، وذلك أنه قد اشتهر عند الكافة قول النبي صلى الله عليه وسلم “أنزل القرآن على سبعة أحرف” ثم عمد هذا المسبع إلى قوم قد اختار كل رجل منهم لنفسه قراءة من جملة القرءات التي رووها وكانوا لعمري أهلاً للاختيار لثقتهم وأمانتهم وعلمهم وفصاحتهم فأطلق عليهم التسمية بالقراءات، فأوهم بذلك كل من قلّ نظره، وضعفت عنايته أن هذه القراءات السبع هي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم “أنزل القرآن على سبعة أحرف”
وأكد وهمه ما يراه من اجتماع أهل الأمصار عليها، واطراحهم ما سواها، وذلك هناك موضع إشكال على الجهال، وليته إذ ذهب إلى الاقتصار على بعض قراء الأمصار، واجتهد في الاختيار جعلهم أقل من سبعة أو أكثر، فكان يزيل بذلك بعض الشبهة الداخلة على الأغمار.عن اتهام ابن مجاهد بقلة الإطلاع وعدم المعرفة