الشعر

في شتاء عصي

 

في شتاء عصي

جاسم العبيدي

في شتاء عصي

قبل خمس وثمانين عاما

كان يثمل من نهر جيكور طفل

تشبث بالعيش منفردا

بين اقرانه فزعا

يكور اجداده السمر

اضلاعهم فوق سعف النحيل

منتظرين موسم عام من العمر ياتي بخير وفير

غير ان الحمامات مازلن فوق النخيل

يرددن حزنا طويلا

” كوكوكتي … كوكوكتي ….يابتي

لا تبجين “

ينحسر الدمع

يرسم صورة ايوب منكسرا

وجهه كان يحمل هما ثقيلا

سعالا تكور في رئتيه على وجع

اه من وجع كلما ارتجف الموج يطفو

لتجري به الريح

شاهقة صوب ذاك الخليج

·

حين غادرنا

كان مرتجفا يتامل ان يلتقي

بالفراغ الذي حال بين عصاه وبين ” وفيقة “

لكنه كان يذبح احلامه في الصبا

في باحة الدار

بين بويب وبين انهيار الجدار

·

قابل الموت في لجة البحر

قال لن اشتكي وجعي

هزه الجوع من هلع

انه الان يحمل هجرته وعصاه

مثل موسى مضى خائفا يتلفت نحومياه الخليج

– ليس لي حاجة ان ادير بوجهي الى البحر

ان دائرة الضوء تاتي

وتلك الحراب التي مزقت قامتي

اوقدت جسدي بنيرانها

اه يادمعه انزفتها الشواطيء

ليت ” اقبال ” ادركت وقتها

ان دمعتها تركت فوق طاولة الموت

سارية للعراق

·

سلام على بصرة الشعراء

حين تطل على وجع الغرباء

سلام على الذكريات التي اسهمت باحتضان الشجر

سلام على مطر بلل الثوب حين عبر

وحين استشاط بقلبي عزاءا

مطر…… يامطر

سلام على امة اكلت حزن اطفالها

حفاة عراة على ضرعها والحجر

سلام علينا حفاة نناغي الطيور

ونرقص للرعد غب المطر

سلام لكل مياه الشواطي

واحلام جيكور

وموج الخليج الذي ياخذ السفن الغاربات

سلام لكل وحشة حلم

تلملم اعضاءنا في ” الصرائف “

مثل قمصان “غيلان “

ثنثرها فوق حبل غسيل تدلى بفرع الشجر

سلام لالعابه في ” الصرائر “

في كل ركن قصي من الدار

صرخته

حافي القدمين عند غياب القمر

·

انه الوقت كان يمر ثقيلا وقد لا يمر

وفي زمن تعسر فيه انبلاج الصباح وضاع الاثر

ولم تبق غير الحبيبة

” تطبطب ” بالماء اقدامها في ضجر

ترى هل ” وفيقة ” تغسل في نهر جيكور ” فوطتها “

وتغسل اوجاعنا في ” بويب ” بعيد السمر

يامصب بويب ترى هل لنا من رقود

هنا العمر كان يمر بلا زمن

وكنت حبيسا بلا وطن

واطفال قريتنا

يملاون المصابيح بالزيت قبل الغروب

اطفال قريتنا فوضويون مثل القصائد

يستعذبون التحدث في السر

يفترشون الخطيئة

اعينهم تتلاقح

تلك ” وفيقة ” تملا جرتها من بويب

واعينهم لا تفارق فخذين ممتلئين

ياللوقاحة اطفال قريتنا فوضويون

مثل القصائد

والنساء على جرف نهر بويب

يغتسلن في مائه

ويملان منه الجرار ” بالماء لكاح “

ذاك النبيذ الذي يملا الروح لهفتها بالخدر

·

وطن جاع لياكل كل جثامين  الموتى

في مقبرة الحسن البصري

رجال اعطت لكن لم تطعم شيئا

مكفوفين يسيرون بدرب اعمى

اعتنقوا مثل الناس عراقا غادر مضجعه

يستقبل احلاما خجلى

من مشفى خارج اوردة الزمن المر

تكور في الساحة منتفضا

ليظم جثامينا اخرى

فقراء نحن كبرنا

لنجوب الطرقات بلا اسماء

ضجيج يتبعنا

صوت المجداف على الماء

نسينا كيف يكون الشعر قصائد

وكيف يكون الشاعر منتميا للشعر

فماذا نفعل حين تكون الاقدام طريقا للقبر

الشارع يتوجس منا

كيف ستبكينا امراة تجتاز القبر بلا ستر

دفنت كل بقايا الحب على يدها

الكل هنا خرجوا من بين محاجرها

مثل الموتى خلف جنائزهم

يجرون اقدامهم حاملين الكفن

بين اقدامهم تزحف الارض

اين تسير التوابيت موشومة بالسواد

انت …….

هل ودعتك الى الموت ” اقبال “

ام ان ظل ” وفيقة ” مازال منتظرا ان تمر التوابيت حاملة ” بدرها ” في المغيب

ترى اي بدر وهذا الظلام يغطي القبور

ادخلوا الحسن البصري جثمانه

لم يكن غير جمع من الفقراء يتبعه للرثاء الاخير

اه ياوجعا يتكور في اسفل القلب محتفظا

بالنداء الاخير

ايها الموت سجل على طينة الارض

رحلة ذاك الشقي الذي غادر الارض

منتفضا من جحيم السعير

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار