المقالات

قراءة في رواية ميراث الدم

جريدة موطني

قراءة في رواية ميراث الدم

 

للأديب الكبير /محيي حافظ

(عتبات النص بين العنوان والراوي)

بقلم :يحي سلامة

في جلسة واحدة قرأت وبشغف ومتعة الأجزاء الاربعة الأولي من رواية (ميراث الدم)والتي قام بنشرها الأديب الكبير محيي حافظ علي صفحته الشخصية علي الفيس بوك وعلي موقع جريدة (موطني) وبالطبع سنكتمل المتعة والرؤية بعد قراءة الرواية كاملة.

وأنا هنا لا أستبق الأحداث ولا أضع العربة أمام الحصان في هذه العجالة السريعة ولكني سأتوقف امام عتبات النص ودلالة العنوان الذي اختاره المؤلف لروايته (ميراث الدم) .

ودلالة العنوان تنحصر في رأيي المتواضع في دلالتين أساسيين إما دلالة ميراث النسب والدم هنا يعني الانتساب والتناسل حسب التعبير الدارج (من دم واحد) أو انها تعني ميراث القتل والثأر لما يمثله لفظ الدم من دلالة علي القتل وسفك الدماء بغير حق.

والحقيقة أن المؤلف في نظري قد عمد إلي الدلالتين معا فأحداث الرواية كما يتضح من بدايتها تدور حول قصة البشرية كلها والميراث الذي حملته ذرية أدم ومازالت تحمله منذ الجريمة الأولي التي وقعت علي الأرض بين ولدي أدم وقتل قابيل لأخيه هابيل كما هو معروف.

وهنا لابد من توضيح مارسخ في أذهان بعض المفكرين بل وعامة الناس أننا (جميعا كبشر) قد ورثنا أو ولدنا ونحن نحمل معصية أدم لربه وطرده من الجنة والحقيقة هذا الكلام مغلوط فنحن لم نرث خطيئة أدم لأن الأمر ببساطة انتهي بتوبة أدم وندمه علي معصيته وهبوطه للأرض تائبا منيبا إلي الله عز وجل ولكننا نحمل ميراث الدم والقتل وقد ولدنا جميعا إما من نسل قابيل (القاتل) وإما من نسل شيت (الأخ الصالح) وأننا منذ هذا الوقت ندور في فلك (ميراث الدم) والصراع الأزلي بين الحق والباطل والخير والشر والحب والكراهية الخ وسنبقي في هذا الفلك حتي يرث الله الأرض ومن عليها.

وبقراءة الأجزاء الأربعة اليسيرة والمنشورة من الرواية وهي بالمناسبة تتعرض وبالترتيب الزمني لحادث قابيل وهابيل وطوفان نوح وحياة النبي يحي عليه السلام ورسالة المسيح عيسي بن مريم عليه السلام (ومازال للأحداث بقية) ولن أتعرض للبناء الدرامي أو الأحداث واللغة المستخدمة وذلك لأني لم أنهي القراءة بعد.

ولكن سأتوقف طويلا أمام لغة السرد التي استخدمها المؤلف فقد جاء السرد علي لسان الراوي العليم المشارك في الأحداث والممسك بخيوطها من البداية الي النهاية.

ويحسب للمؤلف جرأته في اختيار شخصية هذا الراوي العليم والذي أعتبره مفاجأة وجرأة محسوبة من المؤلف أن تكون رواية الأحداث علي لسان (الشيطان) نفسه

فالشيطان الذي يجري من بني أدم مجري الدم هو الشريك الأساسي للبشر ويتقاسم معهم معيشتهم منذ الهبوط الأول للجميع إلي الأرض (أدم وحواء والشيطان) بل هو أيضا وفي الوقت ذاته صانع للأحداث ومحرك لها وشاهد اثبات عليها وبالتالي فكان اختيارا موفقا أن يكون الراوي هو الشيطان نفسه.

وقد قدم الكاتب الشيطان بصورته الحقيقية دون مواربة أو التفاف فمنذ السطر الأول من الرواية يتحدث الشيطان عن نفسه أنه ابليس وأنه الشيطان الرجيم الذي عصي ربه وأنه يكره أدم وذريته ويوسوس لهم ولم يلبسه المؤلف ثوب المظلومية أو الخطيئة أو التبرئة ولكن جعله يتحدث بطبيعته وكأنه شخص من لحم ودم عايش أو شارك في صنع أحداث بعينها تركت فيه الأفراح مرة والأحزان مرة حسب نتائجها التي لم تأتي كما تمناها علي طول الخط.

ومن أروع المشاهد التي صورها المؤلف (لأفراح وأحزان الشيطان) فرحته الغامرة لأول جريمة وقعت علي الأرض وقتل قابيل لأخيه هابيل وفرحة الشيطان وانتشاءه بركوب السفينة مع نوح عليه السلام وأنه كان أحد الناجين من الغرق ليواصل مهمته التي نذر حياته لها منذ هبوطه علي الأرض.

ولكن الأفراح لا تدوم علي طول الخط ففي واحد من أروع المشاهد صياغة من وجهة نظري جاءت حسرة الشيطان ونكاد نري دموعه ونسمع تنهداته من بين السطور وهو يقطر حقدا وحزنا وكمدا أمام إيمان وطهارة وتبتل وعبادة السيدة مريم البتول رضي الله عنها وكيف أنها استقبلت رسالة ربها أنها تحمل وتلد من غير رجل ومن غير زواج ولم تهتز أو تنهار ولكنها واجهت الأمر بصلابة وإيمان جعلت الشيطان يبكي ويتحسر أمامها.

هذا التصوير البارع من المؤلف قد أخرج النص من المباشرة والقاء العظات والسرد التاريخي الجاف فدموع الشيطان وضحكاته انما تضعنا في مواجهة مع أنفسنا وسرائرنا وهي بمثابة ترومومتر نقيس به زيادة أو نقصان الإيمان داخلنا فالشيطان يفرح ويهلل لمعصيتنا ويبكي ويتحسر لطاعتنا وإيماننا.

وأري أن هذا ماعمد إليه المؤلف في توصيل رسالته من خلال الرواية وأحداثها خاصة وأن اللغة المستخدمة وبعض العبارات ومابين السطور تشي بذلك وأن المؤلف يكتب بقلمين أحدهما يوثق التاريخ البشري والديني والقلم الأخر يكتب عن الواقع المعاصر وهموم الإنسان ومشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية وأن مابين السطور أو بعبارة المؤلف نفسه (المسكوت عنه) أكثر بكثير من المقروء والمعروف والمتداول.

وبالتإكيد ستتضح هذه الرؤية وهذه الفلسفة أكثر وأكثر مع توالي أحداث الرواية حتي نهايتها.

كانت هذه قراءتي المتعجلة للأجزاء اليسيرة التي استمتعت واستفدت بقراءتها

 

دراسة تحليلية للكاتب و الشاعر يحي سلامه لرواية ميراث الدم

للاديب العالمي Mohy Hafez

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار