اخبار

قصة الفيل والعميان

قصة الفيل والعميان

 

بقلم :الدكتورة عزيزه صبحي استاذ الفلسفة بجامعة الإسكندرية 

 

تدور هذه القصة حول مجموعة من الرجال العميان الذين اشتهروا بالحكمة، وكانوا يجتمعون دائمًا لبحث أمور المعرفة والوجود، وفى يوم جاءهم أحد الزوار مصطحبًا معه فيلًا ضخمًا، فاشتد فضولهم لمعرفته، حيث إنه لم يتسنَّ لهم ذلك من قبل، وطلبوا من صاحبه أن يأذن لهم بلمسه حتى يدركوا ما هو، فإذا بكل رجل منهم يلمس منه جزءًا، ثم يصف ما لمس، فمن لمس منهم خرطوم الفيل، قال إنه أفعى ضخمة، ومن لمس ذيله، ذكر أنه يشبه الحبل، ومن لمس أذنيه تصور أنه يشبه ورقة الشجرة الكبيرة التي تتحرك مع النسيم، ومن لمس ساق الفيل تصور أنه يشبه العمود الصلب.

وقد زعم كل منهم أنه قد عرف الحقيقة كاملة، وما عداه واهمٌ مخطئ. والخطأ في هذه القصة وفي حياتنا كذلك، قد لا يكون في ملاحظتنا للشئ، بل في الاعتقاد بأن ذلك الجزء الذي قد ندركه يمثل بالضرورة الكل وربما يتطابق معه.

تحمل هذه القصة دلالات فلسفية عديدة، كمحدودية الإدراك البشري، وأن للحقيقة أوجه عدة يراها كل منا من منظوره الخاص، وذلك وفقًا لخلفيته الثقافية والدينية والاجتماعية، وأن المعرفة نسبية، وليس هناك حقيقة مطلقة وليس هناك مالكٌ لها، وأن التعصب للذات ورفض الآخر يؤدي بنا ، حتمًا، إلى الخطأ والصراع، وأنه بالحوار والتكامل قد نصل إلى فهم أعمق وأكثر شمولاً للظاهرة.

وتعود هذه القصة إلى التقاليد الهندية القديمة في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت تروى شفاهة، وقد استخدمتها الجينية لتؤكد من خلالها مبدأ الأنيكانتافادا Anekãnlavāda أي تعدد زوايا الحقيقة، ثم دونتها البوذية في القرن الخامس ق.م واستخدمتها لتوضيح محدودية الإدراك الإنساني، واستمرت القصة فى رحلتها عبر الزمن – مع إضفاء بعض التعديلات- وصولاً إلى القرن الثالث عشر الميلادي، حيث استلهمها جلال الدين الرومي و قدمها في المثنوي، لكنه عبر عن رأيه بصيغة رمزية فيقول: ” كلٌّ أمسك جزءًا وظنّه الكل، ولو أُضيء المصباح، لزال الخلافُ والوهم” ، والمقصود بالنور هنا هو الوحي، النور الداخلي الذي يتجاوز الحواس وانطباعاتها السطحية، أي أن جلال الدين الرومى قد أضاف للقصة بُعدًا روحيًا عقائديًا لم يكن للقصة الأصلية.

ما أريد التأكيد عليه، أن الشك والدعوة إلى التواضع المعرفي، ومعرفة الذات ومحدوديتها، لم يبدأ مع الفكر الغربي، مع السوفسطائيين وسقراط، فإذا ما عولنا على التداول الشفهي، تكون القصة الهندية أسبق تاريخيًا من تلك الدعوة التي اضطلعت بها السوفسطائية وسقراط، وإذا عولنا على التوثيق والنص المكتوب قد تكون الروايتان متزامنتان.

قصة الفيل والعميان

وفي الحالتين ليس هناك إعجاز أو تفرد غربي، وإنما سيادة للقراءة الغربية، وقصور في البحث عن كنوز الشرق وفلسفاته.

قصة الفيل والعميان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى