قصة

قصة قصيرة بعنوان/.. صدف غامضة ..

جريدة موطني

قصة قصيرة ..
صدف غامضة ..
بقلمي زينب كاظم …
عندما قبلت سمرا في الجامعة كان محمد اول وجه قابلته وكانت تلك اول صدفة جمعتها به عند باب الجامعة فجاءت عينيها ذات النظرة العميقة التي تخترق القلب قبل العين في عينيه الخضراوتين فظل ينظر لها وكأنها مخلوق جميل نزل من كوكب المريخ او كأنها شخص يعرفه منذ الأزل فضاع منه ثم وجده هنا فحدثها بعينيه الجميلتين لكنها انسانة تحب التعاطي بالحروف والأخذ والرد والصراحة فلم تعره أهمية وظلت ضحكاتها تتعالى وهو مسلطن على تلك الألحان الجميلة ثم مشت لعدة خطوات وأخذ ينظر خلفها وكأنه سافر عبر الزمن ومن ثم ضاعت بين جموع الناس بهندامها الأنيق الذي يوحي بأنها هي المبتكرة الوحيدة له في هذا العالم كان هنداما محتشما ومغريا وجذابا في نفس الوقت وبعد أيام رأت سمرا محمد عند السلالم التي تؤدي الى القسم الذي قبلت فيه فتصورت انه جاء من اجل صديق او شيء اخر لكنهما سارا بصمت وهما ينظران لبعض حتى دخل معها نفس الصف والشعبة فعرفت انه نفس سنها ونفس مرحلتها وقسمها رغم ان كل من كان معها في القسم اكبر منها بسنة او اكثر الا محمد بنفس سنها بالضبط ،دخلا الصف فلم يجدا كراسي كافية فوقفا ينظران لبعض وهو ينظر بانبهار وهي تنظر بنظرة تترقب المستقبل مصحوبة بسخرية فهي دوما تبحث عن الأفضل ولديها احلام اغلى من الجميع فما هي الا لحظات حتى وجدا كرسيان في اخر الصف فجلسا بقرب بعضهما يترقبا بعض بصمت ويستمعان لمحاضرة ذلك المحاضر الشاب باصغاء لأنهما وكما يبدو يحبان الأنضباط والدراسة فما ان انتهت المحاضرة حتى خرج الجميع من الصف وكل اخذ وجهة ما للتعرف على الزملاء وللذهاب لتفحص وحفظ أماكن الكلية والكافيتريا ولشراء الملازم الخاصة بمواد المحاضرات وبعد ايام من الروتين قرر الطلبة ان يعملا حفلا للتعارف فجاءت سمرا بروحها السمراء ووجها الناصع البياض وجلست قرب محمد لأنه وكالعادة لا مكان الا قربه وظلت وكما هي دوما مغرية بشخصيتها العفوية الضاحكة المبتسمة وروحها الحلوة والقاءها للشعر وللنكتة والكل معجب بها من الطالبات قبل الطلبة ومن الطلبة العرب قبل العراقيين فظلت شخصيتها عالقة في ذاكرته حتى و هو بين اهله ورفاقه من المنطقة التي يسكن فيها ،وبعد مرور شهر او اكثر من الصمت بينهما حتى جاء أحد الطلبة وصارح سمرا بحبه وهي انسانة رقيقة وتحب الشجعان بالحب وواعدها انه سيتزوجها ويكونوا اسرة وأولاد فوافقت وبقيا في علاقة لمدة سنتين وكانت العلاقة تتراوح بين مد وجزر وعواصف حتى تخرج هو لأنه كان يسبقها بمرحلتين ولم يف بعهوده معها وتحجج بأسباب عائلية وكان محمد ينظر لها من بعيد ويعرف مدى معاناتها وكان ينتظر ان تخرج من دوامة الحزن لوحدها دون ان يحرك ساكنا حتى تعافت وكل ما فعله لها هو انه كان يكتب لها المحاضرات عند غيابها او يحجز لها كرسيا قريبا منه ،وكان هو ضمن مجموعة من الطلبة الأشقياء الذين يجتمعون في المساء يتسامرون ويأكلون ويدخنون السجائر ويتحدثون عن بنات الكلية ويتهامسون بأن فلانة ملابسها فاضحة وتلك جسدها فاتن والأخرى لديها علاقات كثيرة حتى يصل العد الى سمرا ويتحدثون عنها كأنسانة ملفتة عاطفية وتركها حبيبها لأنه غبي ثم يتحدث احدهم عنها بسوء كي يثير محمد ويستفزه كالعادة وفي كل مرة يتعصب محمد وينهار ويرده بهذه الجملة الا سمرا احذر من الحديث عنها بهذا الكلام الفاحش انها اعف انسانة عرفتها في هذا الكون وفي كل مرة يعتذر منه صديقه الا مرة واحدة انهال رفيق محمد عليه بكلام قوي جدا انت جبان وسمرا لا تحب الجبناء وانك لم تواجه نفسك ولم تواجهها يوما او تعترف لها بحبك العارم اتركها للذئاب افضل منك لأنك لن تحظى بها يوما ورغم ان جرس التنبيه قوي هذه المرة الا ان محمد اكتفى بتمتمات بينه وبين نفسه يرد ويقول انت الجبان وبعض الكلمات النابية لكنه لم يحرك ساكنا وظلت سمرا عفوية جميلة جذابة ولديها معجبين كثر وهو يرى ويكتم غيرته القاتلة بهدوءه المعهود لكنه صامتا ينظر اللحظة الذهبية ليتحدث وكم مرة جاءت هي تتحجج وتسأل الطلبة الذين يقف معهم وتسأل عن موعد المحاضرة وتنظر بين عيونه وكأنها تتوسله الا يتركها تغرق لكن خجله اقوى من عشقه وأحيانا يذهب اليها ويقول اريد ان احادثك وهي تذهب بكل شغف لتعرف ماذا يريد ويختار مكان يكاد يخلو من الطلبة ورغم انها انسانة تربت في احضان طاهرة وهي احضان جدتها التي كان دوما تنصحها بعدم الأختلاء بأحد الا انها ارادت ان تعطيه فرصة للكلام لكنه كان يكتفي بالنظر لعيونها وخدودها التي كقطع المارشميلو ومن ثم ينظر من النافذة المطلة على مجموعة فتيات يجلسن وهن يستعرضن مفاتنهن لكنها نظرات خاطفة ولسان حاله يقول ربما اثرن غرائزي انما شغفي وعشقي وروحي انت يا سمرا ثم بكت وكأنها تستنجد به ليتحدث وينقذها من بحر الحياة المظلمة الظالمة لكن دون جدوى ،حتى انهالت عليها الام وضغوط الحياة وعذبتها تقلباتها ويأست منه تماما ومن ثم تزوجت من شخص بعيد عن عالمها تماما انصدم بكى تألم غار لكن بينه وبين نفسه لكنه حاول مرة بالحديث معها رغم انها كانت حامل لكن لسوء حظه رأه زوجها الذي لا يعرفه فترك المكان وغادر وظل زوجها يهدد برفاقه ويوصل له كلاما معهم بأنه لن يصمت اذا تكرر الأمر وانه سيوصلها للمحاكم والعشائر وبعد فترة وجيزة تخرجوا جميعا وظلت حسرة حبها في قلبه وسمع من رفاقه وزميلاته انها اصبحت اما فطار عقله منه لكن بصمت يغطي البركان الذي في داخله وفي الوقت الذي ظلت هي تحارب في الحياة زوجه اهله من احد قريباته انسانة عادية بلا طموح بلا جاذبية بلا حب وانجبت له ولدا
لكنه ظل في جامعته يدرس الماجستير ومن ثم الدكتوراه وهو يزور الأماكن التي كانت ترتادها وكأنه يشم رائحة عطرها هناك ويتفحص ابتساماتها وضحكاتها الصاخبة وحركتها ونور وجهها الذي كالشمس التي تضيء الكون بأسره
وبعد سنوات جاءت مع طفلتها لتكمل معاملة وثيقة تخرجها فرأها من بعيد وكأنها سراب وسط الصحراء ومن ثم اختفت
وبعد مرور سنوات اخرى شاهدها صدفة مع زوجها وطفلتها وهي حامل فجلدته الحياة جلدة قاسية اخرى وظل يلوم نفسه لأنه خسر جوهرة كانت امامه وكان من الممكن ان يمتلكها لو تصرف بشجاعة وحكمة اكثر وبعد بضع سنوات رأها حاملا للمرة الثالثة فجلد نفسه لألف مرة وبعد فترة رأها صدفة في مكان اخر وكانت حاملا ايضا فأغتاض هذه المرة ما هذه الصدف وكأنها عقوبة الهية بهيئة صدف فانهال على نفسه بجلدات قوية وضرب رأسه بيديه لأن سمرا لم تحاسبه لم تطلب شيئا بلسانها لم تؤذيه لكن صمته وجبنه هما من وأد هذه العلاقة وهذا الحب قبل ان يولدا وبعد مرور اكثر من عشرين ربيعا اصبح لها اولادا بعمر الورد فشاهدته في مكان اخر فعرفته وابتسمت له ابتسامة نقية تشبه تلك الابتسامة الجميلة عندما التقيا صدفة عند باب الجامعة لكن هذه المرة تغافل لأن الدنيا استفزته كثيرا واخذت حقها منه لكنها صدفة اسمت احد اولادها محمد فعندما مر محمد وتجاوزها وحاول ان يقول لنفسه انها تشبه سمرا التفتت سمرا خلفها تصرخ محمد فالتفت فاذا هي تنادي ولدها وليس هو ففتح عيونه بقوة ولسان حاله يقول ا ح ب ك لكن كل حرف بمجلد فالألف يعني أنت خنتيني وضعت في دهاليز الحياة والحاء حيرتني اوصافك وخفت من تلك الشجاعة ان تلغيني اما الباء بانت الحقائق ومزقني قانون الدوران في الحياة كما تدين تدان والكاف كفاك صدفا فقد مت في الحياة وهذا يكفي وكان محمد حتى في نومه ويقظته يحلم بها وكأنه مغيب لعشرين عاما ويعيش جسدا بلا روح وينصح جيل الشباب الجدد ان يكونوا شجعانا ويأخذوا زمام المبادرة لمن نبضت قلوبهم لهن ويكفيهم شرف المحاولة بدلا من يعيشوا اجسادا بلا ارواح .
يقول نزار قباني (الحب للشجعان ….الجبناء تزوجهم امهاتهم )

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار