قصة

لا شيء بدونها بقلم الكاتب محمود خلف 

جريدة موطني

لا شيء بدونها

بقلم الكاتب محمود خلف

سار بخطوات ثابتة وفي يده ابنته التي بلغت للتو أربع سنوات، وهذا اليوم يوم مولدها، سار نحو غرفة الطبيب بينما كان يستعيد قصة ولادتها..

 

كانت أولى ليالي الشتاء قد حلَّت، توقَّف عن العمل مُعلنًا وقت الراحة والسكينة، والعصافير تُحكِم أعشاشها في أماكن أكثر دفئًا؛ وقد دنت الشمس من المغيب فوق خط الأفق؛ تاركةً وراءها سحبًا كثيفة راكضة؛ أحالت لونها؛ وغامت.. فأضحت آيلةً للسقوط!.

 

صعد الدرج، فتح الباب على حين غرَّة ليُفاجئ زوجته بعودته باكرًا، صعقته المفاجأة، كانت ملقاة على الأرض فاقدة وعيها، فزع من هول ما رأى، حاول أن يُسعفها لكنه فشل، حملها وركض بها تحت المطر، سارع إلى الشارع الرئيسي، ثم استقل سيارة لأقرب مشفى، بعد إجراء الكشف قتله الطبيب حينما أخبره أنها أصيبت بجلطة أودت بها إلى غيبوبة.. قد تطول، ورغم ظروف صابر المادية لم يتخلَّ عنها ولو لدقيقة واحدة ظلَّ بجوارها، جالسًا أسفل قدميها أربع سنوات يرعاها ويهتم بها ويقوم بخدمتها، يد إلى رهينة سرير الغيبوبة، وأخرى إلى عمله، كأنما يدافع بذلك من طريق اللا وعي عن كيانه الشعوري.

 

يجلس مثل كل يوم أمامها ويقص عليها يومياته بما فيها من إنجازات وانكسارات وعن اشتياقه لها، طغى صمت مهيب على الغرفة، بدأ في البكاء لأول مرة منذ وقوع الحادث ونظر لها، ثم ضحك قائلا: هل تعلمين أنهم يلحون علي بالزواج، ساخرين من إخلاصي قائلين: لم نرَ أحدًا مخلصًا لهذه الدرجة. أنت لست بقيس وهي ليست بليلى ويجب أن تتزوج.

 

أجبتهم: لا، فأنا  مخلص لها لكنهم على أمل بأن يصيبني اليأس وأن أتخلَّ عنكِ؛ لكنهم يجهلون أني قد رضيت بما قسمه الله لي؛ وسأظل متمسكاً بك إلى آخر يوم في حياتي؛ وأنا على يقين بأن الله يسمع همس دعواتي ونحيب قلبي في الليالي المظلمة، وسأظل أدعو دائما وأبدا، وزيارتك لي كل ليلة في أحلامي تواسيني.

 

أجهش بالبكاء وأردف قائلا: أعلم أنك تشعرين بي أليس كذلك؟ أراكِ ترمشين بعينيك فأعلم أنك تنصتين لي جيدا، أكلمك وأشكو لك مرارة الأيام بدونك، فبدونك لا مذاق للحياة.

 

لن أتخلى عنك وسأظل في المشفى بجوار سريرك عند قدميك.

 

حاولت أن أكمل علاجك في مكان آخر فأخبروني أنه سيكلفني الكثير ولن يفعلوا لك أكثر مما نفعله نحن هنا، ليتك تفيقين لكي أسمع صوتك مرة على الأقل، وتعيدين إلى ما تبقى مني الحياة.

 

أنهى حديثه معها ثم خرج من الغرفة إلى غرفة الطيب.

وأخذ ابنته من يدها التي أدهشها نظرة هذا الرجل إلى أبيها، لا تعرف أن سبب هذه النظرة السيئة والمخيفة أنه حدد مع الطبيب موعدا لفصل أجهزة التنفس الصناعي عن زوجته.

لا شيء بدونها

بقلم الكاتب محمود خلف

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار