لبنان هل لا يزال موجودا
كتب ضاحى عمار
يُقتل اللبنانيون في حرب ليست حربهم، وسط مشهد سياسي وعسكري متأزم، ومعادلات لا تنتمي إلى مصالح لبنان الوطنية.
فهل لبنان ما زال موجوداهذا سؤال ييبدو بديهيات فى ظل الوضع الراهن
فالبنان منذ تحرير جنوبه في عام 2000، قال اللبنانيون “شكراً” كبيرة للمقاومة على جهودها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ولكن مع مرور الوقت، تبين أن هذه الكلمة كانت تحمل بين طياتها سوء فهم كبير. اعتقد البعض أن المقاومة قد أدت مهمتها وعلى المقاومين العودة إلى حياتهم العادية. إلا أن الواقع كان مختلفاً تماماً. حزب الله لم ينتظر كلمة شكر، بل كانت المكافأة التي ينتظرها أكبر مما توقعه اللبنانيون أنفسهم.
بعد سنوات من التحرير، وجد اللبنانيون أنفسهم في وضع سياسي وأمني يضيق عليهم يوماً بعد يوم. حزب الله الذي كان يمثل المقاومة ضد الاحتلال أصبح لاعباً أساسياً في السياسة اللبنانية، بل إن البعض يرى أنه المخطط الرئيسي لمستقبل لبنان. حروب لا تنتهي.. إلا بقرار إيراني حسن نصرالله، زعيم حزب الله، لم يتقاعد كما تمنّى البعض. بدلاً من ذلك، تحول إلى رمز لحرب لا تنتهي، حرب لا تخص لبنان وحده، بل تتعداه لتخدم مصالح إقليمية أوسع. هذه الحروب، كما يصفها البعض، لن تنتهي إلا إذا قررت إيران ذلك، لأن حزب الله ليس سوى أداة في يد طهران.
عندما طالب البعض بنزع سلاح حزب الله بعد هزيمة 2006، كانوا في الحقيقة يطالبون بما ليس في يد الحزب أن يقرره. فالسلاح لم يعد مِلكاً للحزب وحده، بل هو جزء من مشروع إقليمي أوسع يتجاوز الحدود اللبنانية.
موقف التضامن مع حزب الله: خطأ تاريخي؟
في عام 2006، وقف العديد من اللبنانيين متضامنين مع حزب الله رغم الدمار الذي خلّفه الصراع مع إسرائيل. هذا التضامن الشعبي، الذي كان يرى في الحزب حامياً للسيادة اللبنانية، كان في نظر الكثيرين خطأً كبيراً. إذ أنه فتح الباب لإيران لتزيد من سيطرتها على لبنان عبر حزب الله، وأصبح نصرالله هو المندوب الرسمي لإيران في البلد.
الدولة اللبنانية، بحسب العديد من المراقبين، انتهت فعلياً عندما بدأ نصرالله يُلقي دروسه على السياسيين اللبنانيين عبر خطاباته المتلفزة. وكان المشهد الأكثر إحراجاً هو جلوس السياسيين في الصفوف الأولى ليستمعوا إلى خطاباته وكأنهم تلاميذ في صف دراسي، وهو ما أظهر لبنان كدولة صغيرة تابعة، يُملى عليها من الخارج.
الطائفية والفساد: مؤامرة على لبنان
إذا كان البعض يرى أن ما يحدث في لبنان هو استمرار للصراع الطائفي الذي امتد لسنوات، فإن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير. الفساد الذي انتشر بين أفراد الطبقة السياسية بعد الحرب الأهلية هو الذي مكّن القوى الخارجية من السيطرة على لبنان. وبينما يظل اللبنانيون يتغنون بتاريخهم العريق وحضارتهم الفينيقية، فإن الواقع الذي يعيشونه اليوم يُظهر بلداً يعاني من سوء الحظ وفساد الطبقة الحاكمة.
أكثر من 100 ألف لبناني تحت السلاح اليوم، يعيش أكثر من 100 ألف لبناني تحت رحمة السلاح، ليسوا جزءاً من الجيش الوطني، بل من ميليشيات تابعة لحزب الله. هؤلاء المقاتلون الذين ينتظرون الأوامر، ليسوا فقط طائفيين، بل أصبحوا أجراء لدى المستعمر الإيراني. ورغم أنهم ما زالوا يحملون الجنسية اللبنانية، إلا أن ولاءهم يتجه نحو طهران وليس نحو بيروت.
لقد ابتُليت الطائفة الشيعية في لبنان بحزب الله، الذي استغل شبابها في مشروعه الإقليمي. بدلاً من أن يتغنى هؤلاء الشباب بتاريخ لبنان وأدبه، أصبحوا يرددون دعوات دينية تصب في مصلحة المشروع الإيراني.
المعادلة الأكثر بشاعة ان لبنان يدفع الثمن ما يحدث اليوم في لبنان هو أن اللبنانيين يُقتلون في حرب لا تخص بلدهم. هذه الحرب التي يشنها حزب الله تحت مظلة المقاومة لم تؤدِ إلا إلى مزيد من الخراب. ولكن هذا الخراب، رغم فداحته، لا يهم إيران في شيء، لأنها تستخدم الأراضي اللبنانية كساحة حرب تحمي بها مصالحها
أما قضية فلسطين، التي يرفع حزب الله شعارها في كل مناسبة، فهي في نظر البعض مجرد كذبة. إيران، التي تدّعي دعمها للقضية الفلسطينية، لم تطلق صاروخاً واحداً من أراضيها نحو إسرائيل. لبنان هو الذي وقع في الفخ، فبدلاً من أن يظل الجنوب تحت الاحتلال الإسرائيلي، صار البلد بأكمله تحت الاحتلال الإيراني.
الحرب الإلكترونية: الوجه الجديد للصراع اليوم، ومع التوترات المستمرة، يبدو أن إسرائيل قد اختارت نهجاً جديداً في صراعها مع حزب الله. بدلاً من الدخول في مواجهات تقليدية، لجأت إسرائيل إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة، حيث أصبحت الهجمات أشبه بالألعاب الإلكترونية، ولكنها ألعاب قاتلة، تستهدف البنية التحتية اللبنانية وتقتل مواطنيه.
وفي نهاية المطاف، يبقى السؤال قائماً: هل لا يزال هناك لبنان؟ لبنان الذي عرفناه قبل عقود قد لا يكون هو لبنان الذي نراه اليوم. فما بين سلاح حزب الله وتدخلات إيران، يبدو أن مستقبل البلد مرهون بقرارات تتخذ خارج حدوده.