ادب وثقافة

هذه الدنيا الفانية..

جريدة موطني

فاطمة عبد العزيز محمد

       _________

هذه الدنيا الفانية..

كثيرا ما نرى أن بعض الناس يسعون طوال حياتهم من أجل غايات فارغة وتافهة ويستنفدونها في سبيل هذه الأهداف الفارغة ناسين الله تعالى، وعلى الرغم من كل هذا فإنهم لا ينجحون– في الغالب- في تحقيق هذه الغايات الفارغة رغم كل هذا الجري واللهاث لأن نفوسهم لا تشبع بل هي جائعة على الدوام، لأنهم وببساطة يطلبون المزيد ثم المزيد ولا يكتفون ولا تشبع نفوسهم أبداًَ، فإذا وصلوا إلى غاية ما تراهم يحاولون الوصول إلى غاية أكبر منها. ولأنهم إن حصلوا على وضع أو مرتبة ما يحاولون الوصول إلى مرتبة أعلى، ثم مرتبة أعلى، وهكذا يقضون حياتهم في الجري لإشباع رغباتهم التي لاتعرف الشبع حتى يدركهم الموت، إن رغباتهم في الحصول على الشهرة والمال والمتعة تظل ناقصة بالمعايير الدنيوية، لأنه ستظهر أمامهم بالتأكيد أشياء أحسن مما موجود لديهم.

 

فعلى سبيل المثال نرى أحدهم يحلم دوما باقتناء إحدى السيارات ذات الطراز الرياضي الحديث، فنراه بعد محاولات كثيرة وصعبة يحصل على هذه السيارة الغالية ويحقق حلمه هذا الذي طالما سعى لتحقيقه، ولكن ماذا نرى؟ لقد ظهرت وستظهر أنواع أخرى من هذه السيارات التي تحتوي على ميزات أحسن وأفضل وأحدث، أو لنفكر في شخص قد قضى زمنا طويلا في جمع النقود اللازمة لشراء بيت طالما حلم أن يقتنيه ويعيش فيه، ولكننا نراه بعد تحقيقه لحلمه واقتنائه ذلك البيت بعد كل هذا التعب والعناء- يصادف بيتا آخر أجمل بكثير من بيته، فنراه وقد تملكه الإحباط والحزن، وبدأ بيته يفقد في نظره جاذبيته السابقة، بالإضافة إلى الألم الذي ينتاب الذين يرون ما يعتري ممتلكاتهم من اندثار بسبب القدم وما تجريه السنوات عليها من آثار سلبية.

إن التقدم العلمي المدهش يقدم للإنسان دوما أجهزة أحدث وأجمل وأحسن، فتفقد ما لدى هؤلاء من هذه الممتلكات رونقها وجاذبيتها وتبدو قديمة في أعينهم. ويستمرون طوال حياتهم في الدوران في هذه الدائرة المفرغة فلا تسكن نفوسهم أبدا ويظلون في لهاث دائم للحصول على الأجمل وعلى الأحسن، وبعد الحصول عليه يعتق هذا الشيء عنده ويفقد قيمته فيبدأ البحث عن الجديد مرة أخرى، وعن الأجمل، هذه هي الدائرة المفرغة التي عاش فيها الإنسان طوال التاريخ، لذا فإن الإنسان العاقل يجب أن يقف وأن يراجع نفسه في هذا الأمر ويعلم أن هذا الجري الأعمى لن يؤدي إلى نتيجة وان يقول لنفسه: ” لا بد وأن هناك خطأ كبيراً في هذا الطراز من التفكير”.

 

لكن نرى مع الأسف أن أغلبية الناس لا يملكون مثل هذا المنطق ويظلون يجرون وراء أحلام وخيالات لا يمكن أن تتحقق، بينما لا يستطيع أحد منا أن يضمن حياته حتى لبضع دقائق قادمة فالتعرض إلى حادثة سيارة، والتحول إلى شخص معاق، أو التعرض حتى للموت من الأمور السهلة والاعتيادية، والشخص الذي يتذكر الموت للحظة واحدة يدرك تمام الإدراك أنه عندما يثوى في قبره فلن يجديه نفعاً لا المال ولا الأولاد ولا المنصب أو الجاه ولا أي شخص من الأشخاص الذين كانوا موجودين حوله، وسواء أكان غنياً أم فقيراً، جميلاً أم قبيحاً، فكل إنسان سيلف ببضعة أمتار من الكفن ويدفن في القبر.

 

ومما لا ريب فيه ان الإنسان الذي لا يعرف حدوداً لرغباته يظل يعيش– كجزاء وعقاب من الله– في حالة من “الجوع وعدم الاكتفاء النفسي”، وتتملكه في كل فترة من فترات حياته رغبة عارمة في تملك أشياء معينة، وهو في سبيل تحقيق رغباته تلك نراه يجري ويعمل بكل جهد حتى وإن أدّى به ذلك إلى أن يسلك في هذه السبيل طرقا ملتوية، ويكون مستعدا في هذا الخصوص لكي يعادي أقرب الناس إليه:عائلته وأقرباءه وأصدقاءه إن ظن أنهم سيكونون حجر عثرة أمام تحقيق رغباته، والغريب في الأمر أنه ما إن يحصل على بغيته حتى يبطل سحر ذلك الشيء لديه ويفقد قيمته وينطفئ بريقه مهما كان ذلك الشيء ثمينا، وكأنه لم يبذل في سبيله كل تلك الأشهر والسنوات، ثم إذا بنا نراه يبدأ مجدداً في السعي لإمتلاك شيء آخر وقعت عيناه عليه ويبدأ كما فعل سابقا العمل بكل جهد من أجل ذلك الهدف الجديد، وهكذا يستمر في سعيه دون انقطاع.

 

إن هذا الشخص يستمر حتى وفاته في السعي من أجل امتلاك الجاه والمال وكل ما تقع عيناه عليه دون أن يفتر، ولا يسعد أبدا بما تملكه وحصل عليه، فلا يكون قنوعاً بما لديه لأنه لا يوجد في نيته كسب رضى الله بل العكس فهو يسعى من أجل إرضاء روح الأنانية التي تتملّكه، وهذا بالطبع يؤدي إلى أن يكون مختالاً ومغروراً بنفسه ولهذا فإن رب العالمين لا يمنح الطمأنينة الحقيقية وراحة البال لأمثال هؤلاء من الذين أصبحوا عبيدا لشهواتهم ولنزواتهم ولأنانيتهم.

ويغيب عن بال معظم هؤلاء الذين يلهثون وراء هذه الدنيا امر في غاية الأهمية، إلا وهو الانقضاء السريع لهذه الدنيا، وهذا موضوع ينساه الوالهون بالدنيا ولا يفكرون فيه ويحاولون تناسيه ما استطاعوه إليه سبيلاً، فلا للجري الأعمى خلف هذه الرغبات الفانية، ونذكر ذلك الإنسان بالحقيقة الواضحة التي لا جدال فيها وهي أن الجنة هي دار البقاء، لذا عليه أن يوجه جل اهتمامه للظفر بها، حيث أن الجنة هي المكان الذي يخلو من جميع أنواع العجز الجسدي وضعفه، ومن كل أنواع النقص والعيوب، حيث سيجد الإنسان هناك كل ما يطلبه ويشتهيه، ويكون بعيدا عن كل ما يعكر صفو حياته من جوع أو عطش أو مرض أو شيخوخة أو تعب…الخ. 

هذه الدنيا الفانية..هذه الدنيا الفانية..

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار