الدكروري يكتب عن أين المستعدين للرحيل
الدكروري يكتب عن أين المستعدين للرحيل
بقلم/ محمـــد الدكــــروري
يجب علي كل مسلم وكل إنسان عاقل أن يستعد للموت ويعلم أن العمر مهما طال فلابد من دخول القبر، ولابد من الوقوف بين يدي الله تعالي للحساب، وهذا رجل من الرجال المستعدين للرحيل، هذا الرجل هو الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، فى يوم من الأيام صلى بالناس العيد إماما، وبعد الصلاة مرعلى مقبرة، فنزل عن بغلته وكان هذا موكبه، وعنده بعض أصحابه، فقال لمن عنده انتظروا، فذهب إلى المقبرة، وأخذ ينظر إلى القبور، وهو يقول أيها الموت، ماذا فعلت بالأحبة؟ أيها الموت وهو يكلمهم ماذا صنعت بهم؟ فلم يجبه أحد، ثم خرّ على ركبتيه وبكى، فإنها القبور، إنه منزل كل انسان مر عليه يوما من الأيام وتفحصه، هل تحمل معك أثاثا، أو يدخل معك فيه أحد؟ بعد أيام ولعله بعد لحظات سوف تسكنه وأنت لا تدري، فإنها غفلة وأى غفلة.
فاغتنم أيام عمرك قبل فوات الأوان، وما دمت فى زمن المهلة، فقد قال الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز “إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما” وقال ابن مسعود رضي الله عنه “ما ندمت على شيء ندمى على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلى، ولم يزد فيه عملى” فكثيرا ما نرى المال على أصحابه وبالا يجر لهم الويلات، ويكون عليهم خبالا، وعن آخرتهم ملهيا وشاغلا، فهم له راغبون، وبه يفتخرون، ولآخرتهم كارهون، والعبد لا يخلو من محبة إحدى الدارين، دار الدنيا، ودار الآخرة، فهو يعمر أحبهما إليه، قيل لبعض العلماء ما لنا نكره الآخرة، والسلف الصالح يحبون الإقدام عليها؟ فقال رحمه الله لأنهم عمّروها ومن عمّر شيئا أحب الإقدام إليه، وأنتم عمّرتم الدنيا وقصّرتم في الآخرة، فأحببتم البقاء فيما عمّرتم، وكرهتم الإقدام على ما قصّرتم.
فالدنيا سريعة الانقضاء والانقراض، مشرفة على الزوال والبوار، وكل ما كان من زينة الدنيا فهو سريع الانقضاء والزوال، والمال والبنون من زينتها، وما كان كذلك فإنه يقبح بالعاقل أن يفتخر به، وأن يفرح بسببه، أو يقيم له في نظره وزنا، أو يجعله أكبر همه، وغاية أمله فإن هذا من شأن المشركين والكفار والمنافقين وضعفاء الإيمان، فهم الذين يفتخرون بمظاهر الدنيا وزخرفها على الفقراء، وعلى أهل الإيمان والتقوى، الذين جعلوا همتهم فيما يبقى، وقنعوا بكفايتهم مما يفنى، وما درى المغترون بالدنيا أن كل ذلك متاع الحياة الدنيا، والآخرة عند ربك للمتقين، ولغفلتهم عن الآخرة صوّبوا أنظارهم إلى المظاهر الدنيوية وركزوا عليها لأنها غاية أملهم، وقصارى مرامهم، فقال تعالى “يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون”
وإن فتنة الأموال والأولاد فتنة عظيمة لا تخفى على ذوي الألباب، إذ إن أموال الإنسان عليها مدار معيشته وتحصيل رغائبه وشهواته، ودفع كثير من المكاره عنه، ومن أجل ذلك يتكلف في كسبها المشاق ويركب الصعاب ويكلفه الشرع فيها التزام الحلال واجتناب الحرام، ويرغبه في القصد والاعتدال، ويتكلف العناء في حفظها، وتتنازعه الأهواء في إنفاقها، ويفرض عليه الشارع فيها حقوقا معينة وغير معينة، كالزكاة ونفقات الأولاد والأزواج وغيرهم، ولنعلم جميعا بأن الشيطان يسعي مجاهدا لإبعادنا عن طريق الله ويريد منا الإنحراف عن الهداية والسير في طريق الضلال، فقيل أن ﺭﺟﻞ ﺍﺳﺘﻴﻘﻆ ﻣﺒﻜﺮﺍ ﻟﻴﺼﻠﻲ ﺻﻼﻩ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، وقد ﻟﺒﺲ ﻭﺗﻮﺿﺎ ﻭﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ.
ﻭﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﻌﺜﺮ ﻭﻭﻗﻊ ﻭﺗﻮﺳﺨﺖ ﻣﻼﺑﺴﻪ، فقام ﻭﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻼﺑﺴﻪ مرة أخري ﻭﺗﻮﺿﺎ ﻭﺫﻫﺐ ﻟﻴﺼﻠﻲ , ﻭﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺗﻌﺜﺮ ﻭﻭﻗﻊ ﻭﺗﻮﺳﺨﺖ ﻣﻼﺑﺴﻪ فعاد مرة أخري ﻭﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻼﺑﺴﻪ ﻭﺗﻮﺿﺎ ﻭﺧﺮﺝ ﻣـﻦ ﺍﻟﺒﻴﺖ, ولكنه ﻟﻘﻲ ﺷﺨﺺ ﻣﻌﻪ ﻣﺼﺒﺎﺡ يسير مع في طريق المسجد فهنا ﺳﺄﻟﻪ الرجل ﻣﻦ ﺍﻧﺖ ؟ ﻗﺎﻝ ﺃﻧﺎ ﺭﺃﻳﺘﻚ ﻭﻗﻌﺖ ﻣﺮﺗﻴن، ﻭﻗﻠﺖ أضيئ ﻟﻚ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠ ﻭأضاء ﻟﻪ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ, ﻭﻋﻨﺪ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺃﺩﺧﻞ ﻟﻨﺼﻠﻲ، وهنا ﺭﻓﺾ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ، ﻭﻛﺮﺭ الرجل ﻃﻠﺒﻪ ﻟﻜﻨﻪ ﺭﻓﺾ ﻭﺑﺸﺪﺓ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻟﻠﺼﻼﻩ، وهنا ﺳﺄﻟﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﺗﺤﺐ ﺍﻥ ﺗﺼﻠﻲ ؟ هنا ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، وﺃﻧﺎ ﺃﻭﻗﻌﺘﻚ ﺍﻟﻤﺮﻩ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻜﻲ ﺗﺮﺟﻊ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﻻ ﺗﺼﻠﻲ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﻟﻜﻨﻚ ﺭﺟﻌﺖ ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺟﻌﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻏﻔﺮ الله ﻟﻚ ﺫﻧﻮﺑﻚ، ﻭﻟﻤﺎ ﺃﻭﻗﻌﺘﻚ ﺍﻟﻤﺮﻩ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﻪ ﻭﺭﺟﻌﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻏﻔﺮ الله ﻷﻫﻞ ﺑﻴﺘﻚ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﻩ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﻪ ﺧﻔﺖ ﺍﻥ ﺃﻭﻗﻌﻚ ﻓﻴﻐﻔﺮ الله ﻷﻫﻞ ﻗﺮﻳﺘﻚ، ﻓﻼ ﺗﺠﻌﻠﻮﺍ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎﻥ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺳﺒﻴﻼ.