الدكروري يكتب عن أول عالم في الأخلاق الفلسفية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
العالم مسكويه هو أول عالم من علماء المسلمين الذين درسوا الأخلاق الفلسفية بناء على أسس علمية، وذلك في كتابه تهذيب الأخلاق والذي ركز فيه على الأخلاق والمعاملات وتنقية شخصية الإنسان، ومما هو جدير بالذكر أن “مسكويه” كان يعيش حياة ميسورة، فيها كل أسباب الراحة والمتعة، وقد مارس في مطلع شبابه حياة اللهو والفجور، ولعل هذه الحياة الحسية هي التي دفعته إلى التبحر والغوص في فلسفة الأخلاق، ولذلك عاد في فترة متأخرة من حياته إلي دراسة الفلسفة والحكمة وتجارب الشعوب، ومحاولة معرفة أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام، ولكن ما هو الخلق الحسن؟ فإنه قبل أن يسأل سائل عن أهمية الأخلاق ومكانتها في الإسلام لا بد أن يميز بين نوعي الأخلاق، ومعرفة كل نوع ما له وما عليه.
فمن المعروف أن الأخلاق قد تكون صالحة وقد تكون طالحة، وهذا متعارف عليه في المجتمعات كلها وليس في الدين الإسلامي فقط، ولعل هذا يرتبط بفطرة الإنسان وحبها للخير والعمل الصالح والخلق الحسن، ورفضها للشر والعمل الطالح والخلق السيئ، وفي هذا الصدد يمكن القول إن الخلق الحسن هو تلك المنظومة من القيم والعادات التي ترتقي بالإنسان وفكره وأخلاقه، وهو الذي يجعل صاحبه من خيار الناس وأفضلهم شأنا وأعلاهم مكانة وقدرا، كما لا يمكن إنكار مكانة صاحب الخلق الحسن عند الله تعالى وفي الدين الإسلامي، ولقد ورد في الشريعة الإسلامية الكثير من الوصايا التي تحث على الخلق الحسن، وذلك لما له من دور في جذب الناس إلى الإسلام، وما يؤديه من مهمة في عكس الصورة الصحيحة للمسلمين.
وأخلاقهم النبيلة المشابهة لهدي السيرة النبوية، وما فيها من منظومة قيمية وأخلاقية، وقد يصل الإنسان أحيانا إلى معرفة الشيء من نقيضه، وفي هذا يمكن القول إن الخلق السيئ هو كل فعل أو تصرف أو عادة مخالفة ومناقضة للسلوك الحسن الذي تقبله الفطرة وينادي به الدين، ويدعو إليه الإسلام والقرآن الكريم، وقد قيل لعبد الله بن المبارك أجمل لنا حسن الخلق في كلمة، أي اختصر لنا، فقال اترك الغضب، ومما سبق يتبين أن الغضب من الصفات التي تجعل الإنسان سيئ الخلق، ومما قيل أيضا “لا تصحب من ساء خلقه، وهو الذي لا يملك نفسه عند الغضب والشهوة” ومما ورد عن علقمة العطاردي رحمه الله، في وصيته لابنه لما حضرته الوفاة، قال “يا بني إذا أردت صحبة إنسان فاصحب من إذا خدمته صانك.
وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤنة مانك، اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سدها” ومن خلال هذه الوصية يمكن للإنسان أن يستنبط من هو سيئ الخلق، فهذه هى الأخلاق الإسلامية التي ينبغي لكل مؤمن ولكل مؤمنة التخلق بها والاستقامة عليها حتى الموت، وما ذاك إلا لأن الله سبحانه وتعالى خلق الثقلين لعبادته ووعدهم عليها أحسن الجزاء إذا استقاموا عليها، وأعد لأوليائه المستقيمين على الأخلاق التي أمر بها ودعا إليها الجنة والكرامة مع التوفيق في الدنيا والإعانة على الخير، وأعد لمن حاد عنها واستكبر عنها دار الهوان وهي النار وبئس المصير.