الدكروري يكتب عن تعطيل العقل عن فهم الحياة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 9 فبراير 2024
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وسبحانه أكبره تكبيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين، وخلفائه والتابعين له بإحسان له إلى يوم الدين، ثم أما بعد لقد نشأت على مدى العصور فلسفات كثيرة تناولت شأن العقل، فمنها من قام بإعطائه السلطة المطلقة، ومنها ما عطل العقل عن فهم الحياة، وجاء الإسلام الذي أعطى العقل أهمية واضحة، فهو الأساس في فهم النقل، ولا تعارض بينه وبين العقل، فلولا العقل لما فهمت النصوص، ولما استنبطت الأحكام، ولنفهم معنى العقل لغة نرجع إلى أهل اللغة حتى نفهم ما المقصود بالعقل أصلا؟ فكم من متكلم بالعقل ولا يستطيع أن يخبرنا ما هو العقل لغة وماهية، فالعقل هو العلم بصفات الأشياء.
من حسنها وقبحها وكمالها ونقصها أو العلم بخير الخيرين وشر الشرين أو منطلق لأمور أو لقوة بها يكون التمييز بين القبح والحسن ولمعان مجتمعه فى الذهن، يكون بمفدمات يتستتب بها الأغراض والمصالح ولهيئة محموده للإنسان فى حركاته وكلامه، ولكن نسأل من أين نشأت نظريات الفلاسفة والمتكلمين في ماهية العقل، حتى أثير الجدل بين العقل وبين النقل؟ وهي فكرة قديمة تكلم بها الفلاسفة الإغريق واليونان، والفلسفات الشرقية القديمة، ووجدت جذورها بداية في اللاهوت والفكر الديني عموما، قبل تكون النظريات العلمية، وركزت على العلاقة بين العقل والروح أو الجوهر الإلهي المفترض للذات الإنسانية، فقد ذهب أرسطو إلى أن هناك عقلا بالفعل، وعقلا بالقوة، فأحدهما فاعل، والآخر منفعل.
ولا يستغني أحدهما عن الآخر، وقد نشأ في العصر الذهبي عند اليونان نزاع بين الفلسفة والدين، وعرفت مجموعة من الفلاسفة عرفوا بالسفسطائيين، فهم الذين اخترعوا لأوربا النحو والمنطق، وطبقوا التحليل على كل شيء، وأبوا أن يعظموا التقاليد المتواترة التي لا تؤيدها شواهد الحس أو منطق العقل، وكان لهم شأن كبير في الحركة العقلية التي حطمت آخر الأمر دين اليونان القديم، ولقد اتهمهم سقراط بقوله لقد دمر السفسطائيون إيمان الشباب بآلهتهم، وحطموا القانون الخلقي، الذي كان يعززه خوفهم من عقاب الآلهة، لو قاموا بارتكاب ما يخالف رضاها، وأصبح من الواضح أنه لا مانع من أن يسير الإنسان على هواه، ويفعل ما يطيب له، فماذا عن سفسطائيي هذا العصر؟ هل يريدون أن يقوموا بالدور الذي حض عليه سفسطائيو الإغريق.
بنسف القيم الدينية والأخلاقية بدعوى حرية العقل وتحرره، مع أنهم قيدوا عقولهم بهذه الفلسفات، وتركوا ما هو من عند الله؟ حيث قال الله عز وجل فى سورة الملك ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” أما شأن العقل عند من فهم وظيفته، وما أراد الله من أنه آلة لفهم الشريعة وأحكامها، فالأمر مختلف، فلقد أعلى الله شأن العقل ودوره، ويقول أبو حاتم البستي وهو المشهور بابن حبان العقل نوعان، مطبوع ومسموع، فالمطبوع منهما كالأرض، والمسموع كالبذر والماء، ولا سبيل للعقل المطبوع أن يخلص له عمل محصول، دون أن يرد عليه العقل المسموع، فينبهه من رقدته، ويطلقه من مكامنه، يستخرج البذر والماء ما في قعور الأرض من كثرة الربع، فهذا هو التكامل بين ما هو فطري، وما هو مكتسب بالعلم المجرد من الهوى، هو أكمل العقل وأتمه، فهذا الذي يوفقه الله للفهم الصحيح مع وجود الإيمان الفطري الذي جبلنا عليه.