الصحبة الصالحة
الصحبة الصالحة
بقلم / هاجر الرفاعي
بسم الله والصلاة والسلام علي صاحب الشفاعة محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم، فإذا تكلمنا عن الصحبة الصالحه فسوف يكون هناك سؤام هام جدا وهو : أين هي الصحبة الصالحة في زماننا؟ وأين الوفاء في هذا المجتمع؟ وقد أصبحت الدنيا كلها مصالح، إلا ما رحم الله من عبادة، فكم من المسلمين في زماننا لا يمشي أحدهم مع أخيه إلا من أجل مصلحة أو منفعة يعود خيرُها إليه، وكم من المسلمين من لا يصادقك إلا من أجل عمل، فإذا انتهى العمل تركك، وكم من المسلمين من يكثر من زيارة أخيه الذي تولى منصبا لا لله، بل من أجل أن يصل إلى غايته.
ولقد ضرب لنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مثلين للجليس الصالح، وجليس السوء: فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافح الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة” متفق عليه.
وقد قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “ما أعطي العبد بعد الإسلام نعمة خيرا من أخ صالح، فإذا وجد أحدكم وداً من أخيه فليتمسك به” وكما قال الإمام الشافعي: “إذا كان لك صديق يعينك على الطاعة فشد يديك به فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهلة” وقال الحسن البصري: إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا، لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة، وأن من صفاتهم هو الإيثار.
وقيل أنه ﻣﺮﺽ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ بن حنبل رحمه الله ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻭﻻﺯﻡ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ، ﻓﺰﺍﺭﻩ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ رحمه الله ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃى ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻼﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺍﺻﺎﺑﻪ ﺍﻟﺤﺰﻥ، ﻓﻤﺮﺽ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻤﺎﺳﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺫﻫﺐ ﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺁﻩ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻗﺎﻝ : ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﺰﺭﺗﻪ ﻓﻤﺮﺿﺖ ﻣﻦ ﺍﺳﻔﻲ ﻋﻠﻴﻪ، ﺷُﻔﻲ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﺰﺍﺭﻧﻲ ﻓﺸُﻔﻴﺖ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻱ إليه .
وقال لقمان الحكيم لابنه: يابني ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان بالله أخا “صادقا” فإنما مثله كمثل “شجرة” إن جلست في ظلها أظلتك وإن أخذت منها أطعمتك وإن لم تنفعك لم تضرك.
وتعالوا بنا لنعيش مشهدا تتجلى فيه الصداقة والصحبة الصالحة في أنقى معانيها، فهذا هو الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه يهم بالهجرة، فيطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتظر، وعندما جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم متخفيا ليخبرَه أنه أذن له الله عز وجل بالهجرة فيكون أول شيء من رد فعل أبي بكر رضي الله عنه هو قوله : الصحبة يا رسول الله.
وهكذا كان شغف الصديق رضي الله عنه بنصرة الدين: الصحبة يا رسول الله، وهي ليست صحبة رجل ذي ثراء وأموال، وليست صُحبة رجل يسافر إلى دولة يترفه فيها ويتنعَّم، وليست صُحبة رجل له موكب وحاشية، وخدم وحشم، إنها صُحبة رجل مُطارد مطلوب رأسه، فعلام يحرص أبي بكر الصديق رضي الله عنه على هذه الصحبة ويفرح ويفتخر بها؟
إنه الإيمان الذي تميَّز به صديق هذه الأمة رضي الله عنه والذي جعله يُسخر نفسه وأهله وماله من أجل صاحبه ونبيِه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض نفسه لمصاحبته وخدمته وحمايته في الهجرة، وأنفق مالَه في إعداد العُدَّة لذلك وفي استئجار الدليل، وعرَّض ابنه عبدالله للخطر حيث كان يُمسي عندهما عندما كانا في الغار، ويُصبح عند قريش يتسقط الأخبار، وكان مولاه عامر بن فهيرة يسرح بغنمه عند الغار ليسقيهم من لبنها، وكذلك فعلت السيدة أسماء التي حفظت السرَّ.
والتي شقَت نطاقها لتضع فيه طعامهما، فسُميت ذات النطاقين، فكانت عائلة الصديق كلها مُجندة في سبيل الله، وخادمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذه هي الصداقة، وهذه هي الصحبة الصالحة، وهذا هو الوفاء مع الصاحب، هكذا يعلمنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه درسا في أهمية الصحبة على الطريق إلى الله.