شيخ العرب حسن طوبار
بقلم /نجلاء حسني ابوزيد
19/7/2023
وعند هذا الحد رأى نابليون أن نفوذ حسن طوبار يخلق للفرنسيين كثيرا من المتاعب والمصاعب في البلاد ويزعزع سلطتهم في جهات البحر الصغير والمنزلة ودمياط ويثير في نفوس الأهالى روح الثورة وأنه لن يكون له سلطان على بلاد هذه المنطقة ولن تنتهي مقاومة أهلها وثوراتهم على جنوده إلا بالقضاء عليه فعزم أن يجرد عليه حملة ثانية لإخضاعه والإستيلاء على المنزلة وإستجمع نابليون فيها كل طاقاته لمحاربة حسن طوبار حيث أمر بتجهيز حملتين كبيرتين إحداهما برية والأخرى بحرية لمهاجمته تحت إشراف الجنرال دوجا قائدا عاما والذى بدأ في تنفيذ الخطط العسكرية المكلف بها فعهد إلى الجنرال أندريوس أن يذهب إلى المنزلة عن طريق البحيرة كما عهد إلى الجنرال داماس أن يسير إليها برا وبذلك تطبق القوتان على المدينة من البر والبحر غير أن الجنرال أندريوس المكلف بمهاجمة المنزلة بحرا لما وصل إلى دمياط وجد مركز الفرنسيين مزعزعا وتعذر عليه أن يرتاد بحيرة المنزلة لأن الثورة شبت في القرى المجاورة لها وكان من نتائجها أن أوغل أصحاب المراكب في عرض البحيرة بحيث لم يجد مكانا لمراكبه منها فكتب إلى نابليون يخبره بذلك ويؤكد له بأنه لاسبيل إلى تسلط الفرنسيين على بحيرة المنزلة إلا بعد سحق حسن طوبار والقضاء على قوته الكبيرة وأنه بالإستيلاء على مدينة المنزلة التي يسكنها تصبح مركزا حربيا وقاعدة للتحركات العسكرية الفرنسية في البحيرة فأرسل نابليون المدد إلى الجنرال دوجا وكلفه في رسالة بتجريد حملة عسكرية على مدينة المنزلة للإستيلاء عليها وإرسال كتيبة أخرى إلى الجنرال أندريوس للإستيلاء على جميع الجزر الواقعة في بحيرة المنزلة وشدد عليه في هذه الرسالة ان يأخذ حسن طوبار ولو بالخديعة وأن يرسله إلى القاهرة وأوصاه بالقسوة والعنف على الثائرين وضرورة إخضاع البلاد الكائنة بين المنصورة ودمياط إخضاعا تاما ووصاه بتجريد القرى من السلاح وقطع الرؤوس وأخذ الرهائن وإلتقي الجنرال أندريوس في دمياط بالجنرال دوجا الذي جاءها من المنصورة وتوجها بقوتيهما إلى المنزلة وجهاتها وإستطاعت هذه الحملة القوية وبعد جهد جهيد أن تدخل المنزلة وإحتلتها في يوم 6 أكتوبر عام 1798م غير أن حسن طوبار كان قد غادر المنزلة ومعه معظم أهلها إلي غزة لإعادة تنظيم حركة المقاومة مرة أخرى وتجهيزها وإعادة حشدها من أجل إسترداد البلدة والتي دخلها الجنرال داماس فوجدها خالية إلا من الشيوخ وعجائز الرجال والنساء بعد أن فوت عليه حسن طوبار والأهالي فرصة الإنتقام منهم ومن زعيمهم وفي هذا الصدد قال الجنرال لوجييه أحد قادة الحملة في يومياته في كل جهة مررنا بها من المنصورة إلى المنزلة كنا نسمع ثناء الأهالى على حسن طوبار وهو محبوب منهم حبا شديدا وهو واسع الثراء وتقدر ثروته بالملايين من الفرنكات ويملك الأراضى الواسعة ومصانع نسج القطن ومصانع الصباغة والمتاجر الكثيرة وقال أيضا في يومياته إن الجنود جابوا طرقات المنزلة وأزقتها وإستوقف نظرهم منازل حسن طوبار التي تسترعى النظر لسعتها وجمال منظرها وبنائها على الطراز الشرقى وكانت مقفلة الأبواب خالية من السكان وأنه وبعض الضباط أرادوا أن يدخلوها فقيل لهم من الأهالى إن مفاتيح الأبواب غير موجودة ففتحوا مدخل أحدها عنوة ولكنهم لاحظوا أن إنتهاك حرمة مساكن الزعيم حسن طوبار من الممكن أن يثير غضب الأهالى وأن تحدث لهم متاعب لا داعي لها بسبب ذلك فإنسحبوا منها وإحتلوا دارا اخرى جعلوها مقر القيادة والمعسكر العام للحملة .
وقد قضى إحتلال المنزلة والمطرية على قوة المقاومة الشعبية التي كان يديرها حسن طوبار فلم يجد أمامه سوى الهجرة إلى غزة كما ذكرنا في السطور السابقة وبذلك إنتهت تلك الحركة الواسعة المدى التي أقلقت بال الفرنسيين زمنا وطويت صحيفة مقاومة ذلك الرجل الذي أزعج قواد الجيش الفرنسى وتردد إسمه في تقاريرهم ورسائلهم وورد إسمه مرات عديدة في رسائل نابليون نفسه كعنوان للمقاومة الأهلية القوية ومع ذلك فقد ظل حسن طوبار بعد هجرته إلى غزة مصدر قلق للفرنسيين وخشوا أن يفكر في الرجوع إلى شواطئ دمياط وبحيرة المنزلة ويستأنف مقاومته لهم حيث جائتهم أنباء بأنه يعد فعلا قوة من المشاة في غزة وعزم على نقلها في خمسين سفينة لكي يحتل بها دمياط ولكن الظروف لم تمكن حسن طوبار من إتمام هذه الحملة ولكن فعلي الرغم من ذلك فإن رعب الفرنسيين من أن يتمكن حسن طوبار من تنظيم حملته جعل نابليون بعد إنتهاء الحملة الفرنسية على الشام وفشله في الإستيلاء علي عكا يسمح له بالعودة إلى مصر ليأمن هجومه على دمياط وتحريضه لأهل بلده على الثورة ولكنه لم يأذن له بالعودة إلي مصر إلا بشرط أن يبقى إبنه عنده في القاهرة ويعود حسن طوبار إلى دمياط مع إلتزامه بالهدوء في منطقته ولكن يؤخذ من رسائل الجنرال كليبر الذى أصبح قائدا للحملة الفرنسية بعد عودة نابليون إلي فرنسا أن السلطات الفرنسية لم تكن تثق به ولا تطمأن إليه أو تأمن جانبه ومن ثم كان الجنرال كليبر يوصي قائده في دمياط الجنرال فردييه بمراقية حسن طوبار وتوخي الحذر منه وألا يغفل عنه أبدا وعاش حسن طوبار في دمياط فترة قصيرة بلغت عدة أشهر وفي يوم 29 يونيو عام 1800م رحل القائد والزعيم والمجاهد حسن طوبار وإحتفت بوفاته صحف فرنسا لتنشر جريدة كورييه دليجبت الجريدة شبه الرسمية للحملة الفرنسية نبأ وفاته في العدد 75 الصادر بتاريخ 28 يوليو عام 1800م وكتبت عنه إنه في يوم 29 يونيو عام 1800م مات فجأة حسن طوبار كبير مشايخ إقليم المنزلة مصابا بالسكتة القلبية وكان هذا الرجل عظيم المكانة لأصله العريق وغناه الواسع وكان قد هاجر من بلاده في الأشهر الأولى من الحملة وعاد إليها بعد الزحف على سوريا وأذن له الجنرال بونابرت في العودة إلى مصر فأذعن من يومئذ وأخلد للسكون وقد خلفه في شياخة إقليم المنزلة أخوه شلبي طوبار ولا زال أهل المنزلة وما حولها يذكرون بطلهم وزعيمهم وشيخهم إلى الآن ويسمونه حسن طوبار الكبير الذي حارب الفرنسيس وما تزال عائلته من أكبر عائلات المنزلة ويقيم بها العديد من أحفاده بالإضافة إلي عائلات الريس والسودة وشلباية .
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أنه في أواخر شهر ديسمبر عام 1962م قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد زيارته لمدينة بورسعيد والإحتفال مع شعبها بأعياد النصر بالتوجه إلى مدينة المنزلة وسط إستقبال شعبي حافل من الأهالي والقيادات وقام بزيارة مقبرة المجاهد حسن طوبار يرافقه أعضاء من مجلس قيادة الثورة وهم عبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وصلاح سالم وإستقبله أفراد من عائلة طوبار بالمقبرة وعلي رأسهم علي ماهر طوبار والشيخ محمود طوبار شيخ البلد في ذلك الوقت وقرأ الزعيم عبدالناصر الفاتحة علي روحه الطاهرة ووضع أكاليل من الزهور علي المقبرة ثم توجه الي منضدة عليها سيف قديم من سيوف المجاهد مرصع ببعض من الأحجار الكريمة وبندقية خرطوش كان يستخدمها في الحرب ضد الفرنسيين ومصحف مكتوب بخط اليد وكتاب بالفرنسية كتبه أحد مؤرخي الحملة الفرنسية عن الزعيم حسن طوبار ووثائق المراسلات بينه وبين نابليون وكليبر وأخذ الرئيس عبد الناصر هذه المقتنيات وسلمها إلي كبير الياوران وأمر أن يتحول هذا المكان الي متحف يضاف الي متاحف مصر ويكون مزارا للسائحين وإعتبار قصر حسن طوبار مزارا سياحيا وصدر القرار الجمهورى لسنة 1962م بشأن إعتبار قصر المجاهد الكبير حسن طوبار من الآثار وصدر قرار رئيس المجلس التنفيذى لسنة 1963م بإعتبار مشروع تحويل منزل المجاهد حسن طوبار إلى متحف قومى ببندر مدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية من أعمال المنافع العامة وتسلمته هيئة الآثار المصرية وتم تعيين حرس علي المكان لحين تنفيذ ما أمر به الرئيس عبد الناصر لكن بعد وفاته في عام 1970م إختفي الحراس وتركوا المكان ليصير أطلالا ونهب اللصوص كل ما هو غال وثمين ولم ينفذ مشروع المتحف وبالرغم من وجود قرار جمهورى بإعتباره متحفا من قائمة متاحف مصر إلا أنه تم هدم القصر وتقسيم أرضه بين وزارة التربية والتعليم وجهات أخري وتحول معظمه إلي مجمع مدارس ولم يبق من تراث الشيخ المجاهد حسن طوبار إلا مكتبة تحمل إسمه ومقبرة متهدمة محاطة بالقمامة وذلك علي الرغم من محاولات عدة من أحفاده للحصول علي موافقات على ترميمها ولكن من دون جدوى وأخيرا وفي عام 2018م وبعد مرور 218 عاما علي رحيله تكللت هذه المحاولات بالنجاح بعد الموافقة علي ترميم المقبرة وتطوير المنطقة المحيطة بها مع الإحتفاظ بالشكل المعماري لها وذلك بناءا على ما إنتهت إليه أعمال اللجنة المشكلة من وزارة الآثار المصرية والمكلفة بهذا الأمر وجدير بالذكر أن المجاهد الكبير حسن طوبار هو الجد الأكبر للشيخ نصر الدين طوبار أحد أشهر من أدوا الإبتهالات والتواشيح الدينية في مصر .
حسناء المدن