الدكروري يكتب عن رأس علماء العراق في زمانه
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير والكثير عن الإمام إبن الجوزي وهو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري، وقيل أن له في كل فن عدة مصنفات، حتى صار رأس علماء العراق في زمانه، وهذا التقدم والرياسة والاحتشام والسؤدد، جلب عليه كثيرا من عداوة الخصوم والأقران، وأتباع المذاهب الأخرى، وكان له دور ظاهر في تأجيج تلك العداوات بحدة لسانه، وهجومه اللاذع على الصوفية والفقراء، وبعض معاصريه، ولم يكن ابن الجوزي مثل غيره من كبار علماء الأمة، الذين كانوا كلمة إجماع بين الناس، ولم يخض في حقهم أحد، ذلك أن لابن الجوزي عداوات كثيرة، وخصومات عديدة أزكاها بحدة لسانه، وقوة نقده، وجهره بآرائه.
واعترازه الشديد بنفسه، ولكن لا يقلل ذلك كله من تقدير الناس لعلمه وإمامته، وتبحره في فنون شتى، وهذه طائفة من أقوال الناس عنه، وثنائهم عليه، فقال الإمام الذهبي عنه كان رأسا في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق، والنثر الفائق بديها، ويسهب، ويعجب، ويطرب، ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الوعظ، والقيّم بفنونه، مع الشكل الحسن، والصوت الطيب، والوقع في النفوس، وحسن السيرة، وكان بحرا في التفسير، علامة في السير والتاريخ، موصوفا بحسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيها، عليما بالإجماع والاختلاف، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء، وحفظ واستحضار، وقال أبو عبد الله الدبيثي في تاريخه شيخنا جمال الدين صاحب التصانيف.
في فنون العلوم من التفسير والفقه والحديث والتواريخ وغير ذلك، وإليه انتهت معرفة الحديث وعلومه، والوقوف على صحيحه من سقيمه، وكان من أحسن الناس كلاما، وأتمهم نظاما، وأعذبهم لسانا، وأجودهم بيانا، وبورك له في عمره وعمله، وقال الموفق عبد اللطيف المقدسي عنه كان ابن الجوزي لطيف الصورة، حلو الشمائل رخيم النغمة، موزون الحركات والنغمات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون، لا يضيع من زمانه شيئا، يكتب في اليوم أربع كراريس، وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كاف.
وأما السجع الوعظي فله فيه ملكة قوية، وقال الإمام ابن قدامة المقدسي ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب فنون، كان يصنف في الفقه، ويدرس وكان حافظا للحديث، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة، ذلك أن ابن الجوزي قد خالف الحنابلة في الكثير من مسائل الاعتقاد، حتى جلب على نفسه كثيرا من المشاكل.