وفق لهرم الاحتياجات الانسانية المتدرج الذي وضعه العالم الامريكي الشهير ابراهام ماسلو، فان الاحتياجات التي تحرك دوافع السلوك الإنساني تنتظم بشكل تصاعدي قاعدته الاحتياجات الفزيولوجية التي تشمل المأكل والمشرب والجنس لضمان بقاء الحياة واستمرار النوع. فاذا أشبعها تطلع نحو حاجته إلى الامن والسلامة، ليأتي بعدها بحثه عن حاجاته للعلاقات الاجتماعية ثم تقدير واحترام الذات وصولاً إلى تحقيق الذات.
وقد يراها البعض سهلة اذا ما خلق له عدو .. كي يستقطب الاخرين ويعيش معهم دور الضحية وانه يحارب لانه ناجح ومميز عن الاخرين .. فبرزت في مقولاتنا وثقافتنا عبارات كثيرة ..ولكي نضفي عليها مصداقية وقدسية ننسبها للنبي او صحابي ومنها مقولة :
اللهم اكفني شر اصدقائي اما اعدائي فأنا كفيل بهم ، مقولة قيلت في القدم وقالها الفيلسوف والشاعرالهندي طاغور ونسبت الي نابليون بونا برت واصبحت حكمة تتداول بين الناس .
دعوة لسوء الظن بررها البعض لنفسه كي يخلق لنفسه اعداء .. والشارع الحكيم نهانا .. قال الله تعالي :في سورة الحجرات – الآية 12. قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم .
صدق الله العظيم
ودائما تختلقها الدول الباطشة والمعتدية كي تدمر البلاد وتستولي علي ثرواتها .. فيكون تحت دعاوي من ليس معي فهو عدوي وما تجمعنا الا لنقر حقوق الانسان ونمنح الديموقراطية لشعوب مقهورة .. ولكي يحشد اكبر عدد من الدول والتي غالبا ستتقاسم معه الثروة – واول شيء يستولي علي ارصدة الدولة من الذهب بخزائنها .
كل البشر ينزعون للسلم والطمأنينة في ان يعيشوا مع اصدقائهم في امان وهدوء .
ولكن هناك من يصنعون كل يوم عدو جديد تحت اية حجة وهذا ليس بالامر الصعب
ولا يحتاج مَهارة ولا يحتاج إلى خبرةٍ ودرايةٍ ؛ فيكفي أن تكون ناجحاً ومتميزاً في مجال عملك ؛ ليصبح لك أعداء من حيث لا تعلم ، وعندها فقط تُتجاهل الأخلاقيات وَيُعتدى على السُّلوكيات وَتُستباح الحقوقيات من قبل هؤلاء الأعداء بضراوة ، وشراسة.
وتتغير القلوب من كلمة صدرت منك ، أو موقف اتخذته في حياتك لحماية مبدأ ، أو موقف نبيل ؛ فيتحول في دقائق من كان على استعداد لأن يمنح روحه وحياته وقلبه لك ولقضيتك.. إلى عدوٍ مُتربصٍ شامتٍ ينتظر لحظة سقوطك المدوي ليفرح وتستقر نفسه
ويتحالف مع من هو على شاكلته لنسج خيوط مؤامرة بحقك ، وتخريب كل ما بنيته في سنوات في لحظات. وأعلم يقيناً أنَّ هذا العدو في كل دقيقةٍ من دقائق حياته البائسة لا همَّ له إلا أنت وحياتك ، وعملك ، وسيارتك ، وطعامك ، ولباسك ، ونجاحك.
من الظواهر الغريبة جداً بيننا ما يمكن أن نطلق عليه «فن صناعة الأعداء»، والمقصود هنا المواقف والتصرفات والإجراءات والتعاملات التى نقوم بها بسوء نية تجاه أى شخص لشيطنته وتحويله إلى عدو.
وهو الأمر الذى يتكرر بشكل مختلف مع مَن يترك عمله.. حيث تجده يروِّج الشائعات، سواء عن المكان الذى كان يعمل فيه أو عن رؤسائه وزملائه.. للدرجة التى تجعلك تتساءل: لماذا إذن وافقت على العمل رغم كل ما تروِّج له؟ ولماذا كنت من أشد المتحمسين له وتدافع عنه بكل ما ملكت من قوة بدرجة غير طبيعية؟ بل وكنت ترفض أى نقد موجَّه لهذا العمل؟!
وصناعة الاعداء فن ولكنها اسوأ صناعة.. كتب المؤلف الامريكي “ديل كارنيجي”كتاب يصنف فيه العكس كيف تكسب صديقا .
فكان يكتب احسن الي الناس تستعبد قلوبهم بدلا من قول ” ونشرب ان وردنا الماء صفوا .. ويشرب غيرنا كدرا وطينا «”.
وخبراء صناعة الأعداء يزيدون، وهي صناعة لا تحتاج إلى الكثير من الخبرة.. يكفي أن تضيق على الناس.. أن تؤلب المجتمع عليهم.. أن تتهم البعض بما ليس فيهم.. أن تسيء الظن.. ألا تترك من يمشي «بجوار الحائط» في حاله.. تحرش بالجميع.. وهكذا أنت تصنع الأعداء لنفسك ومجتمعك.. ضيّق على فلان في رزقه وعلى الآخر في سمعته وعلى تلك في توجهاتها.. لا أسهل من إلقاء التهم.. والكل يخشى أن يخوض في جدال مع الجهلة.. فتزداد الثقة لديهم وتزداد وقاحتهم.. وينشق المنشق عن المنشق أصلاً.. ويكره هذا ذاك وتكره تلك هذه.
ويتسائل البعض هل ممكن فعلا ان اصنع لنفسي عدو ؟
الإجابة نعم
هناك نظريات أسباب صناعة الأعداء: نظريات بيولوجية: ترى أن ظاهرة العداوة ترجع إلى سبب تكويني في خلق الإنسان وجسمه، فهي حتمية بيولوجية. نظريات سيكولوجية: تعتمد على الغريزة العدوانية خاصة عند تعرض الفرد لعملية إحباط تعوق إشباع رغباته أو حاجاته
نظرية التعلم الاجتماعي: التي تعتمد على أن السلوك البشري يكتسب من خلال ملاحظة النماذج السلوكية، فسلوكنا وتصرفاتنا تجاه بعضنا البعض تعتبر نماذج نقدمها للآخرين سواء كانت سلبًا أم أيجابًا.
طرق وأساليب صناعة الأعداء:
عوامل خارجية: مثل النجاح والتميز فهو يثير العداوة والبغضاء ، اضافة الي التنافس غير الشريف بين الافراد ، والاغرب تضارب المصالح .
وهناك عوامل داخلية .. الاحساس بالظلم وهو من اسرع اسباب كسب العدوات ومن اهم اسباب ضعف الوازع الديني والاخلاقي وغياب الضمير والشعور بالايمان من عواقب الظلم .. اضافة للجهل والا ستهانة بقدرات الاخرين وتميزهم قد يؤدي الي تكبر ضعاف النفوس وتجبرهم وسرعان ما يكتسبون عداوة الاخرين .
والتعالي وعدم التواضع واحتقار الناس واساءة معاملاتهم في ظل غياب الضمير والرقابة الذاتية وعدم الشعور بالتجاوزات التي تكسب العداوة
وما سبق يوضح لنا كيف يقع بعض منا في أخطاء تصنع الأعداء سواء بوعي أو بدون وعي
تعلمت الصّبرَ على المُخالِفين وطول النّفَس معهم واستعمال العلاج الربانيّ بالّدفع بالتي هي أحسن (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.صدق الله العظيم
يا مَنْ تُضايقُه الفِعال *** مِنَ الّتي ومِنَ الّذي
ادفعْ فديتُك “بالّتي” *** حتى ترى “فإذا الّذي”
وعلمتني التّجارِب ألا آسى على أولئك الذين يأبَوْن إلا أنْ يكونوا أعداءً ومناوِئين؛ فهم جزء من السُّنَّة الرّبانيّة في الحياة، وهم ضريبة العمل الجادّ المُثمر.
أعلم أن بعض القول يسوءكم ولا والله ما قصدت به أن أسوءَكم، ولكنّي أقول حقًّا: أنتم الأصدقاء الحقيقيّون..
وأنتم إخوة في الله، مهما يكن الخلاف، ولو نظرنا إلى نقاط الاتّفاق لوجدناها كبيرة وكثيرة!!
عفا الله عما سلف, ولنصرفْ وجوهنا عن الماضي, ونلتفت إلى المستقبل، تفاؤلاً بخيره، وصناعة لمجده، وتعاونًا على البرّ والتّقوى، وتواصيًا بالحقّ والصّبر, واستعادة لمعاني الحبّ والإخاء في الله، التي هي أعظم السّعادة, ومن حُرِم خيرَها فقد حُرِم.
إنني لا أصفكم بالأعداء؛ لأنّني أظنّكم كذلك, كلا..؛ بل لأنّني أظنّ أنّ ثمّة من يريد أن نكون كذلك، ويسعى فيه جهده… وإلا فنحن الإخوة الأصدقاء شئتم أم أبيتم.
فرج احمد فرج
باحث انثروبولوجيا
فن صناعة الاعداء