“لن أبرح مكاني”
قصة د. عبد الكريم المصطفاوي
ترجمة م.ازهار سهيل عطية
تطلُ حديقة المستشفى على النهر مباشرةً. يرتفعُ سطح أرضيته بمقدار ستة أمتار. سياجٌ حديدي مشبك يسورُ واجهة المستشفى من جهة النهر، يتوسطه مخرج بسيط هو جزء من جسد السور، مغلق دائماً ولا يبدو أنه قد فُتِحَ يوماً ما. يمارسُ عددٌ من المرضى رياضة الهرولة بإشراف أحد مساعدي المعالجين، بينما يجلسُ آخرون ممند لا يقدرون على ممارسة الرياضة يتفرجون على زملائهم بأفواه فاغرة وابتسامات بريئة. باطن المستشفى تمتلئ ردهاته وممراته بالنزلاء والأطباء والمعالجين النفسيين ومساعديهم.
لمْ يختلف صباح هذا اليوم الشتوي المشمس عن أغلب الصباحات إلّا من صياحٍ، يكسرُ سكونه وهدوءه. يأتي هذا الصراخ من المنحدر الذي ينزلق إلى النهر. يتركُ الممرض المشرف على الرياضة الصباحية مرضاه طالباً منهم البقاء في حديقة المستشفى وينظر باتجاه النهر، يتبعه عدد من حرس الأمن الموجودين في المكان .بعد أن تصبح ضفة النهر سهلة الرؤية، يشاهدون “دكتور كريم” يستنجد بهم، وهو يصيح: أَلَمْ أطلب منكم إحكام قفل المخرج، لإن المريضة سارة تحاول النزول الى النهر والانتحار.لا يكترثون لندائه، يطلبون منه الصعود، ولكن شدّة انحدار الضفة تجعل المهمة شاقة. يعود المسعفون أدراجهم، شاقين طريقهم وسط تجمع عدد من المرضى وأغلب كادر المستشفى، مشكلين سوراً موازياً لسور الألومنيوم المشبك .يطلب مسؤول الأمن توفير سلم للنزول. يجلبون السلم على عجالة، ويضعونه لمساعدة الدكتور كريم بالصعود، لكنه يرفض ذلك ويصّر على نزولهم للبحث عن النزيلة سارة. لمْ تستغرق العملية سوى دقائق معدودة حتى يهبط فريق إلى حيث يوجد الدكتور كريم.
يتعرض الفريق بعد النزول الى توبيخ شديد من قبل الدكتور: ألَمْ أقُل لكم مراراً وتكراراً أن تأخذوا حذركم وتراقبون سارة جيداً، فهي تعاني من اكتئاب شديد ومن أفكار تسلطية تدفعها بقوة للانتحار غرقاً، ولكنكم كالعادة لا تأخذون كلامي على محمل الجد. ينظر بعضهم نحو بعضهم الآخر وكأنهم يلومون أنفسهم . يزداد الدكتور غيضًا وهو يصيح: ها أنتم تصمتون كالعادة، مع كل فقدان وخسارة لنزيل أو نزيلة نتيجةً لإهمالكم وعدم تفانيكم وإخلاصكم في عملكم.
وهو يحاول طمأنة الدكتور على أنهم سيعثرون على سارة، يطلب الدكتور ناجي من الفريق التعامل بحذر مع دكتور كريم، فحالته مزرية جداً وتبدو عليه علامات الانهيار. يستمر الدكتور كريم بالامتعاض: ها أنتم مرة أخرى لا تستطيعون الإجابة! يهدؤون من روعه ويمسكون به برفق ويصعدون أعلى المنحدر. بدا زميله دكتور ناجي متأثراً جداً، لاسيما وهو يرى دموعه تجري على خديه، وعينيه لا تريدان مفارقة النهر.
جميع العاملين في المستشفى يتعاطفون بشدة مع وضع الدكتور كريم، الذي تربطه بالمستشفى علاقة تمتد لسنين طوال، سواءً يوم كان من أبرز أطبائه النفسانيين، أو حينما صار واحداً من نزلائه الدائمين!
Short Story
قصة قصيرة
” Going Nowhere ”
“لن ابرح مكاني”