قصة

لقمة عيش ٢

جريدة موطني

لقمة عيش ٢

أيمن فوزي

لقمة عيش ٢

في الساعات الأولى من شروق شمس هذا اليوم الشتوي و الطقس ليس بالبرد القارص ولكن الشمس لم تعلن عن شروق كامل فنازالت تحجبها بعض السحب الداكنة، زوجان في مقتبل العمر، رثا الثياب وما هو إلا إنعكاس عملها و هو جمع المخلفات الصالحة للتصوير من صناديق القمامة وليس انعكاساً للفقر أو الغنى فهو من الأعمال المربحة جداً في هذه الأيام وكذلك من الأنشطة ذات الفائدة المادية العالية بدون اي رأس مال.

 

يلتقطون كل الزجاجات البلاستيكية وصناديق الكارتون وهو ينظمها بشكل جيد حتى يستطيع اخذ اكبر قدر من المخلفات بكل أشكالها من معادن وبلاستك وزجاج وغيره مما يستطيع بيده أو الاستفادة منه فينظمها كل صنف على حدة.

 

تلتفت الزوجة بين فينة وأخرى إلى طفلٍ صغير، لم يتعدي الثلاث سنوات يمشي خلف عربة المخلفات الخاصة بهم ، حسن نظيف الثياب ينتعل شبشباً صغيراً، يلهو بلعبة صغيرة في يده، وكلما تنبه لنظرتها إبتسم لها إبتسامة رقيقة جميلة وكأنه يبثها الصبر على التعب من أجل طفولته البريئة، فهاهم الصبيان الأكبر منه سناً يعملون بمهنة أهلهم وهي من الربح ما يجعلهم يحرصون على إستكمال مسيرة العمل بهذا المجال رغم الثراء الذي يصل البعض إليه من هذا العمل، وهو مجتمع مغلق على نفسه لا يعرف غير بيع اللا شيء وإعادة كثير من المخلفات إلى الحياة في مصانع التدوير وإعادة التصنيع.

 

تتحرك العربة فتركب الزوجة على الجانب الأيمن بينما يبدأ حمار هزيل، صغير الجسم غير نظيف بقدر إتساخ ملابسهم بالتحرك ببطأٍ للأمام صعوداً، فينطلق الأب للخلف ليلتقط إبنه في عجلة من على الأرض فينظر إليه الطفل بهدوءٍ وتنفرج شفتاه عن إبتسامة ثم ضحكة وابوه يطبع قبلة طويلة على رقبته، يضمه إلى صدره وينطلق لوضعه بينهما على وسادة قديمة على “العريش” وهو مكان الجلوس من العربة “الكارو” ذات الصندوق الخشبي المملوء بالاكياس المتنوعة المصنوعة من بلاستك “الشكاير” وقد علق بعض الأغراض من حقائب قديمة وملابس ذات ألوان زاهية وكأنها بعض الزينة لهذه العربة.

 

ينطلقون في هدؤٍ وهما يداعبان طفلهما فيضحك في صخب ليرسم على وجهيهما المتسخين إبتسامة رضً غامرة بهذا الجو العائلي برغم هذه الحياة الصعبة، يتضاحكون بقدر المسافة بين صندوق القمامة والصندوق الذي يليه في نفس الشارع على ناحية اليمين، فيتركون الطفل في مكانه و ينبهون عليه بعدم التحرك حتى لا يقع، ومرة أخرى يسعون إلى ذاك الصندوق سعياً وراء لقمة العيش والكفاح من أجل الحياة.

 

أيمن فوزي

لقمة عيش ٢
لقمة عيش ٢

 

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار