الدكروري يكتب عن السيطرة على طبائع النفوس
الدكروري يكتب عن السيطرة على طبائع النفوس
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الاجتماع بين المسلمين الذي يوحي بالتآلف والوحدة هو السبيل إلى السيطرة على طبائع النفوس ونزعاتها، فبداخل المسجد يتربى المسلم على تطهير نفسه، وتصحيح عقيدته في القرب من ربه، سرا وعلانية، وفي داخل المسجد يتربى المسلم على الاتصال بإخوانه المسلمين والسؤال عنهم، وتقوية الروابط الاجتماعية بينه وبينهم، مما يجعله يهتم بجميع شؤونهم، وفي اجتماع المسلمين في المسجد يشعر الجميع بالقوة والانتماء للجماعة مما يجعل الفرد منهم يشعر بالطمأنينة، ويحس بالراحة النفسية والكرامة والأمان، ويتجسد خارج المسجد هذا الشعور الاجتماعي في تعامل المسلمين وتفاعلهم في شكل أمة واحدة، بفعل ما اكتسبوه من القيم والفضائل في المسجد، وإن اعتياد المسجد والتردد عليه ينعكس على سلوك الفرد في مجتمعه.
وبذلك يحمل الفرد المسلم في دخيلة نفسه روح الجماعة التي يقف معها بين يدي الله مما يجعله يسعى إلى الحفاظ على كيان المجتمع الذي هو جزء منه، وما الأمة إلا تلك المجتمعات المكونة من الأفراد، والأمة الإسلامية هي الجديرة بأن تسمى أمة لما يربط بين أفرادها بعضهم البعض، ومجتمعاتها بعضها البعض من الروابط والقوى التي منشأها الدين الإسلامي والأمة هي المجموعة من الناس تربط بينها آصرة العقيدة وهي جنسيتها وإلا فلا أمة، لأنه ليست هناك آصرة تجمعها، والأرض، والجنس، واللغة والنسب، والمصالح المادية القريبة لا تكفي واحدة منها، ولا تكفي كلها لتكوين أمة إلا أن تربط بينها رابطة العقيدة، وليس أدل على هذا القول من قوله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله”
وكان المسجد مدرسة للأطفال، فلم يكن المسجد مقصورا على الذين تجب عليهم الصلاة شرعا من الرجال بل لقد حرص الإسلام على رعاية الأطفال أيضا، فلقد كانوا يأتون المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يرعى شئونهم ويتلطف بهم، وكان يجوز في صلاته أي يقصر إذا سمع بكاء الصبيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه” ومن هنا نرى جواز حضور النساء الصلاة في المسجد، والجلوس لسماع الخطب والوعظ والإرشاد وتلقي علوم الدين وتعاليمه، وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال “إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها” وكما خصص الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء دروسا خاصة.
وخاصة في العيدين حيث يكون جزء من الخطبة موجها لوعظ النساء وإرشادهن، وذلك لاستحباب خروجهن مع الأطفال في صلاة العيد، ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد بمثابة مكتب للخدمة الاجتماعية، وجميع التبرعات، ومعاونة المحتاجين، إلى جانب أداء الصلاة فيه، وإذا كانت المؤسسات الاجتماعية فى هذه الأيام تبذل قصارى جهدها للاهتمام بالفئات التي تحتاج إلى الرعاية والعناية الاجتماعية، من المعوقين والفقراء والمعوزين والمرضى والغرباء واليتامى ممثلة في دور الرعاية الاجتماعية، فإننا نرى المسجد النبوي، قبل خمسة عشر قرنا من الزمان كان يقوم بهذا الدور على أكمل وجه، كما كان مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم مقام الجمعيات الخيرية في جمع الزكاة والصدقات من الموسرين والمنفقين، وتوزيعها على الفقراء والمساكين وغيرهم من مستحقي الزكاة.
الدكروري يكتب عن السيطرة على طبائع النفوس