الدكروري يكتب عن العطاء على قدر المعطى
الدكروري يكتب عن العطاء على قدر المعطى
بقلم/ محمـــد الدكــــروري
كان عمرو بن الجموح رضي الله عنه شيخا من الأنصار أعرج، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر قال لبنيه أخرجوني أي للقتال، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وعن عرجه، فأذن له في البقاء وعدم الخروج للقتال، فلما كان يوم أحد خرج الناس للجهاد، فقال لبنيه أخرجوني، فقالوا له قد رخص لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدم الخروج للقتال، فقال لهم هيهات هيهات، منعتموني الجنة يوم بدر والآن تمنعونيها يوم أحد، فأبى إلا الخروج للقتال، فأخرجه أبناؤه معهم، فجاء عمرو بن الجموح إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال يا رسول الله من قتل اليوم دخل الجنه؟ قال ” نعم ” قال فوالذي نفسي بيده لا أرجع إلي أهلي حتي أدخل الجنة، فقال له عمر بن الخطاب.
يا عمرو لا تأل علي الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مهلا يا عمر فإن منهم من لو أقسم علي الله لأبره، منهم عمرو بن الجموع يخوض في الجنة بعرجته” رواه ابن حبان، فليس من بذل حياته وضحى بأعز ما يملك في سبيل رفع راية التوحيد عاليا، فلن يكون العبد أكرم من ربه، ولذلك سيكون العطاء على قدر المعطى، وإن حياة الشخص المستعد للشهادة تكون بالنسبة له رخيصة فى سبيل الوطن الذى تحمل أمام المجتمع مسئولية أمنه وسلامته، ومن منطلق هذه الثقة التى أولاها له المجتمع، تهون حياته ويمكنه أن يضحى بها بسهولة إذا ما تطلب الأمر ذلك، لدرجة أن بعضهم عندما يذهب لأداء مناسك الحج والعمرة، تكون الدعوة الأساسية بالنسبة له هناك، هى يا رب بلغنى الشهادة.
ولأنه يريد أن يفوز بهذه المنزلة ربما تجده يقول لأمه أو أقاربه ادعوا لى أنول الشهادة، وهنا يبدو أنه يتماهى مع الوطن، وكذلك على عكس الحروب التقليدية التى يكون فيها العدو ظاهرا ومعروفا، فإن الإرهاب يمثل تحديا أكبر، ولا شك أن من يسعى للشهادة فى الحرب ضد الإرهاب ينظر للإرهابيين باعتبارهم سرطانا داخليا فى جسد المجتمع، وبالتالى فإن عليه ألا يعطيهم الفرصة لكى يضيعوا وطنه وشعبه، والمواجهة معهم تعطيه تحديا أكبر فى أنه لا يتوانى فى الدفاع عن الوطن بكل ما أوتى من قوة، حتى لو كان الثمن التضحية بحياته، وإن للشهداء مزايا وخصائص ومنها أنهم يكفنون في ثيابهم فلا تنزع، حيث قال خباب بن الأرت هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله نبتغي وجه الله عز وجل.
فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء وفي رواية “ولم يترك” إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه الإذخر” ومنها أن الصلاة عليهم تشرع ولا تجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلى على شهداء أحد إلا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ومنها أيضا ألا نشهد له بقولنا فلان شهيد، وإنما نقول نحسبه والله حسيبه، أو نقول من قتل في سبيل الله فهو شهيد، حيث قال البخاري في الصحيح في كتاب الجهاد والسير “باب لا يقول فلان شهيد” ثم أورد قول النبي صلى الله عليه وسلم “والله أعلم بمن يجاهد في سبيله”
وكما قيل أن الشهداء على ثلاثة أقسام، فالأول هو شهيد في الدنيا، وهو الذي قاتل رياء، وهو يُعامل معاملة الشهيد في الدنيا ولا حظ له من أجر الشهداء من شيء في الآخرة، والثاني شهيد في الآخرة، وهم من ذكروا سوى شهيد المعركة، يعاملون في الدنيا معاملة سائر الأموات، وهم في الآخرة مع زمرة الشهداء، والثالث فهم شهداء الدارين، وهم من قتل في سبيل الله عز وجل، ولقد أكرم الله تعالى عباده الشهداء بأنواع من الكرامات، وأن الله تعالى أنزل في شأن بعضهم قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، ولقد كان بعد معركة بدر كان الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله فلان قتل وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة البقرة ” ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون”