قصة

الحلم القاتل

جريدة موطنى

الحلم القاتل

بقلم: محمد كمال قريش

كعادته، أفاق على صلاة الفجر في بيته الصغير البسيط. اختار لفراشه أن يواجه النافذة التي يتركها مفتوحة صيفًا شتاء. كان القمر يبتسم له وسط نجمات صغيرات برّاقات ملتفة حوله. ابتسم صاحبنا واعتدل. لوح للقمر وبادله الابتسام ثم خرج للصلاة.

    حينما عاد، كانت زوجته قد أعدت له كوبًا من الحليب وسلقت ثلاث بيضات وسخّنت رغيفين. أكل ثم قام وتفقد طفليه في حجرتهما ثم ودع زوجته بعينيه وابتسم لها عند الباب وخرج.

    خمسة أعوام على تلك الحال، يفيق كل يوم على صلاة الفجر، يصلي، يأكل ويخرج للعمل في الحقل. حتى لو لم يكن الحقل يلزمه عمل ما، كان يخرج، حيث لم يعتد على المكوث في البيت خاصة في البكور.

     يعيش مع زوجته وأطفاله عيشة بسيطة، لا متطلبات فيها، وذلك أتم النعم التي كان يشكر الله عليها ليل نهار؛ كان سمع حكمة ذات ليلة كئيبة رزأته فيها مصيبة، أُدخلت تلك الحكمة قلبه وأبت الخروج “الاحتياج عادة ليس للأشياء يا بني؛ بل للامتلاك ذاته” قال له الرجل الذي لاقاه عند جسر، جالسًا حزينًا، فأوقف دابته وسمع قصته. ثم تابع: “ادعو الله يا ولدي ألّا يحوجك لشعور الحاجة نفسه، أمّا الأشياء فتأتِ وتذهب، وأمّا الشعور فإن جاء لن يذهب.”

    ربما لم يفهم كلمات الرجل الغامضة فهمًا دقيقًا، لكن ما فهمه حينها، أن السعادة في الرضا. هكذا ببساطة توصل لهذا المفهوم.

     ومرت سنينًا نسي فيها همه وكربه، وتزوج وأنجب، وعاش راضيًا قانعًا. لكن في ذلك الصباح، حين خرج للحقل، صادف في طريقه سيارة “الباشا” هكذا كان يسميه أهل بلدته الذين يعملون في أراضيه. ولمحه صاحبنا من خلف النافذة، وكانت تلك أول مرة يراه فيها، شيئًا في قلبه تزعزع، شجرة الرضا العتيقة التي غُرست فيه منذ زمن وترعرعت، شعر كأنها تُجتث.

    مرت ساعات العمل برتابة وبؤس وهو يفكر: رجل مهيب، أنيق، ثري، صاحب السيارة والقصر والأرض. أما أنا…

    ونظر لملابسه الرثة في رثاء ويأس. فقذف بالفأس بعيدًا ومشى ببطء في اتجاه البيت.

    كان قويًا، شابًا، صحيحًا، ليس به علة. لكن من فرط التفكير، والشرود، والحزن والقنوط. نام تلك الليلة، فحلم كأنه “الباشا” ولم يستيقظ.

الحلم القاتل

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار