مقالات دينية

هل الحج عبادة وثنية ..؟

موطني

هل الحج عبادة وثنية ..؟؟

بقلم الشريف­­­_ أحمدعبدالدايم

 

كل عام وأنتم بخير ننتظر غداً الوقوف بجبل عرفات المُلقّب بجبل الرحمة، بعد أن مضى بنا شهر رمضان الكريم سريعاً، وجميع المسلمين كانوا يترقبون شهر ذي الحجة، هذا الشهر الذي هو به الركن الخامس من الإسلام (الحج) .

وهل الحج عبادة وثنية ..!؟؟

لقد قرأت إحدى مقالات كاتب فرنسي مكتوب باللغة الأنجليزية ومترجم، كم كان هذا الرجل يشن هجوم غير مُبرر على الأسلام، ورموزه الدينية، تحت عنوان [حرية التعبير] دون الإلتفات بأنه بدخل في التجريح أو الإساءة، بدون الأستناد الى أدلة قطعية، وإنما لخدمة أجندات معينة، والغرض منه بأن يضع الشك والريبة فى الشريعة الأسلامية بأنها (عبادة وثنية).

ويدّعى بعقله الضيّق الضعيف بقوله، وما الحج إلا طواف حول حجر (الكعبة)، وسعي بين حجر وحجر (الصفا والمروة)، وتقبيل لحجر (الحجر الأسود)، ووقوف على حجر (جبل عرفات)، ورمي حجر بحجر (رمي الجمار)، فلا فارق يُذكر بين الحج والوثنية .

والرد هنا على هذا الأجْلحُ يجب بأن يكون وافي باستدلال .

فى البداية فالنأخذ معاني كلمة الوثنية:

لكى نعرف معاني الوثنية في النحو وفي اللغة

وُثِنَتِ الأَرْضُ : مُطِرَتْ

وثَنَ بـ يثِن ، ثِنْ ، وَثْنًا ، فهو واثِن والمفعول مَوْثُون به

وَثَنَ الرَّجُلُ : ثَبَتَ وَأَقَامَ عَلَى العَهْدِ

. وَثَنَ الْمُهَاجِرُ بِالبِلاَدِ : وَطَنَ، أَقَامَ فِيهَا وَثَبَتَ

الْوَثَنُ : التِّمثال يُعْبَدُ سواء أَكان من خشب أَم حجر أَم نُحاس أَم فِضَّة أَم غير ذلك .

لهذا جاء الإسلام الحنيف لهدم ومحاربة الوثنية على الرغم يعتقد هذا المُذعن، بأن الحج يحتوي في بعض أركانه على مظاهر للوثنية.

اركان الحج تتفاوت فيه الأفهام والأذهان، وإذا تم الاتفاق على المعنى انحل الإشكال .

فالحج ليست بدعة ابتدعها الاسلام، وانما الحج عبادة قديمة ابتداءً من سيدنا آدم عليه السلام مروراً إلى سائر الأنبياء موسى وعيسى وأبراهيم عليهم افضل الصلاة والسلام إلى الرسول والنبى محمد صلى الله عليه وعلى آله الكرام وسلم .

قال تعالى: ﴿ وَأَذِّن فِي الناسِ بِالحَجِّ يَأْتوكَ رِجالا وعلى كل ضَامرٍ يَأْتِينَ مِن كل فَجٍّ عَمِيق ﴾ سورة الحج 27 .

كان العرب فى الجاهلية يحجّون إلى البيت من جميع البقاع، الموحّدون الحنفاء، والنصارى واليهود، فضلاً عن الهنود والفرس والصابئة، يشاركهم فى ذلك أهل مكة .

ومع انتشار الأوثان فى شبه الجزيرة العربية على يد عمرو بن لحى الذى أدخل الأصنام إلى الكعبة، تغيرت مناسك الحج، ففى الوقت الذى تجد بعضهم يطوفون حول البيت عراة، تجد آخرين يسعون بين الصفا والمروة ويصعدون جبل عرفات ثم يذبحون الذبائح وتلطخ جدران الكعبة بالدماء تقرباً إلى الآلهه .

وتروى السيدة عائشة رضى الله عنها أن قريشا كانت تحج إلى البيت الحرام قبل الإسلام، غير أن صفة حجهم وطوافهم وإفاضتهم مخالفة لما جاء به الإسلام الذى أبطل عددا من تلك الطقوس والعادات وأبقى على الآخر، وأن المسلمين كرهوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة كما يفعل المشركون، فأنزل الله تعالى: “إِن الصفَا وَالمروةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَن حَجَّ البَيتَ أَوِ أعتمر فَلاَ جُناحَ عَلَيهِ أَن يَطوَّفَ بِهِمَا ومَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِن اللّهَ شاكِر عَلِيم”البقرة 158 .

فلم يطُف النبي صلى الله عليه وآله الكرام وسلم حول الكعبة عام الفتح، حتى طهّرها مما فيها وما حولها من الأصنام ومظاهر الشرك والوثنية .

عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع، في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مُشركٌ، ولا يطوف بالبيت عُريان . الحديث أخرجه مسلم و أبو داود والنسائي .

فصارت مناسك الحج على الحنيفية السمحة بما فيها من طواف وسعي ووقوف بعرفة وغير ذلك .

أما عن الاحجار التى يذعم أنها عبادة وثنية:

يأتي الفرق الكبير ما بين عبادة غير الله تعالى و بين عبادته وطاعته سبحانه، وبين بتقديس ما قدسه من الأماكن والأزمنة والأشخاص والأحوال.

فإن هناك بُنيان شاسع بين التقديس بالله، والتقديس مع الله، إذ إن الأول طاعة واتباع وتوحيد، لا يعتقد صاحبها شيئا من النداء لشيء من المخلوقات مع الله، وذلك كسجود الملائكة لآدم عليه السلام بأمر الله من منه .

أما التقديس: مع الله فهو كسجود المشركين للأصنام واتخاذهم إياها أنداداً مع الله عز وجل، لها ما له سبحانه من التعظيم والتقديس .

قال تعالى : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبونَهُم كَحبِ اللَّهِ وَالَذِينَ آمَنوا أَشَد حُبًّا لِلَّهِ﴾ سورة البقرة 165 .

فرقٌ كبير بين أن تذهب للحجر وتسجد له على أنه الإله، وبين أن تذهب للحجر وتسجد عنده لأن الله هو الذي أمرك بذلك .

والتقديس هو التعظيم لما عظّمه الله منها، والإتيان بالعبادات عندها كما أمر سبحانه وتعالى، مع اليقين بأنها مجرد أحجار لا تنفع ولا تضر، وبأن الأمر ليس إلا تقديساً لما أمر الله بتقديسه، والتعبد حيث أمر الله بالتعبد وهنا الفرق بينهما كبير.

الحج أشبه بالقصص الخرافية والأساطير:

ويزعُمْ إن فريضة الحج تتجلى فيها الشكلية المظهرية في أعلى صورها، وهي شكلية ومظهرية أشبه بالقصص الخرافية والأساطير .

والرد : الحج هو عبادة لله كما بقية العبادات، سواء كانت فى شريعة الأسلام، أو فى دين آخر، جميعها فيها من المظاهر والشكليات، والمناسك بشكليّاتها ومظاهرها ما هي إلا تأكيد على المقصد الأكبر وهو الخضوع لله وطلب رضاه، والأيمان بالله وحبه كذلك لابد من شكليات ومظاهر دالة، ومنها الحج بمناسكه. ومن الممكن أن توجد الشكليات والمظاهر ولا توجد الحقيقة، وحينها تكون الشكليات شكليات كاذبة مدّعاة، ليس من ورائها شيء، وليس من بعدها شيء، ولا تساوي عند الله شيء .

مذبحة عالمية فى الحج:

يقول: إن الذبح في الحج هو فيه دموية بغيضة، به سيول لدم الحيوانات، مذبحة تشمئز منها النفوس السويّة، وتبكي شفقة على هذه الحيوانات الضعيفة المظلومة .

والرد على هذا الجهول:

الحيوانات تُذبح عندنا وعندكم في كل يوم، فماذا أن جعلنا لها يوما خاصا، تُذبح فيه وتُعطى للفقراء والمساكين والمعدمين، بل وهنا يكمن الفرق، بين مسلمين يهتمون لأمر الأنسان وحاجته، ويمدّون إليه أيديهم يعينونه على فقره وعوزه، وبين غيرهم من الغربيين وأزلامهم ممن يظلمون الأنسان في كل مكان، فيقتلونه ويسرقونه، ثم يتغنون كذبا وادعاء بالرفق بالحيوان والشفقة عليه .

الحج ظلم للفقراء دون الاغنياء من المسلمين :

وقد تطرق إلى أن الحج فيه ظلم للفقراء دون الأغنياء من المسلمين .

الله سبحانه وتعالى يعلم علم الأزل لذا قال تعالى في كتابه العزيز” : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ أستَطَاعَ إِلَيهِ سبِيلًا ” آل عمران:97

أما عن كون الحج وثوابه ظلما للفقراء الذين لا يجدون ما ينفقونه ليحجّوا، فإن الله عز وجل شأنه، قد جعل النيّة هي أساس كل شيء، وأن من الناس من يحج وهو على فراشه بنيته وإخلاصه ثواب الحج والعمرة، وهم في بيوتهم وبلدانهم، وليس هذا هو مقام التفصيل فيها ، ونكتفي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم من جلس بعد صلاة الصبح يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلّى ركعتين كان له كأجر حجةٍ وعمرة تامة تامة. أخرجه الترمذي

ومنهم من يقطع البلاد ليحج ثم يعود من حجه ولم يُقبل منه شيء، وقد جعل الله أعمالا كثيرة أخرى في مقدرة الفقراء ليعملوها، ويأخذوا بها

لكن المسلم عليه المبادرة به مع الاستطاعة؛ لأنه قد دخل في الإسلام فوجبت عليه أعمال الإسلام المفروضة من صلاة وزكاة وصوم وحج.

الختام :

فالتسوية بين طاعة الله تعالى بفعل هذه المناسك الشريفة، والسير على ملّة أبراهيم عليه السلام فيها، وبين شرك المشركين وخرافات الوثنيين في عبادة أحجار وأشجار وكائنات لا تضر ولا تنفع، هو في الحقيقة نوع من التلبيس الذي لا يروّج لها إل

ا على ضعفاء العقول، ولا يمت للحقيقة بصلة.

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار