الدكروري يكتب عن اليقين باليوم الآخر
الدكروري يكتب عن اليقين باليوم الآخر
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد جعل الله عز وجل اليقين باليوم الآخر من أركان الإيمان، وسيأتي اليوم الذي يفنى فيه الخلق مصداقا لقوله تعالي ” كل من عليها فان” ثم يأتي يوم يعيد الله سبحانه وتعالى فيه العباد، ويبعثهم من قبورهم، وأول من يُبعث وتنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويحشر العباد حفاة عراة غرلا غير مختونين، وإذا مات العبد نزل أول منازل الآخرة والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وينزل فيها العبد وحيدا فريدا لا أنيس له ولا رفيق إلا عمله الصالح، ولا تزال الأرض تستودع ما يُدفن فيها من الأموات حتى يشاء الله أن تقوم الساعة، فيأمر إسرافيل عليه السلام بالنفخ في الصور، فإذا نفخ إسرافيل في الصور النفخة الأولى نفخة الصعق.
صعق الناس وماتوا وانتهت الدنيا بأكملها، وإن أرض المحشر أرض بيضاء عفراء ليس فيها معلم لأحد، لم يُسفك عليها دم حرام، ولم يُعمل عليها خطيئة، ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي، يوم عبوس قمطرير، لا يلاقي العباد يوما مثله، وصفه الله عز وجل بالثقل والعسر، يشيب منه شعر الوليد، فذلك يومئذ يوم عسير، تذهل المرضعة عن رضيعها، والحامل تسقط حملها، يوم تدهش فيه العقول، وتغيب فيه الأذهان، يفر الإنسان من أحب الناس إليه، من أمه وأبيه، وأخيه وزوجته وأولاده، ويود العاصي أن يدفع بأغلى الناس إليه في النار لينجو، ويجتمع الناس في ذلك الموقف العظيم على صعيد واحد فيغشاهم من الكرب ما يغشاهم، ويصيبهم الرعب والفزع، يشيب الولدان، وتشخص الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر والشمس كورت لفت وذهب ضوءها والنجوم انكدرت وتناثرت.
والجبال نسفت وسيّرت فأصبحت كالقطن المنفوش والعشار عطلت والأموال تركت والتجارات والعقارات والأسهم نسيت والسماء كشطت ومسحت وأزيلت والبحار سجرت وإلى كتل من الجحيم تحولت والجحيم سعرت وأوقدت والجنة أزلفت وقربت، إنه يوم القيامة يوم الصاخة والقارعة والطامة، ويوم الزلزلة والآزفة والحاقة يوم يقوم الناس لرب العالمين يوم عظيم وخطب جسيم، يوم مقداره خمسون ألف سنة، يجمع الله فيه الخلائق أجمعين، من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، ليفصل بينهم ويحاسبهم، وتدنو الشمس من الخلائق مقدار ميل ويفيض العرق منهم بحسب أعمالهم، فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى حقويه، ومنهم يبلغ إلى منكبيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، وتبقى طائفة في ظل الله جل جلاله.
يوم لا ظل إلا ظله، ومن رأى الناس فيه ظن أنهم سكارى وماهم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، الأبصار شاخصة، والقلوب لدى الجناجر واجفة، والملائكة آخذة مصافها بالخلائق محدقة، أمر عظيم، وطارق مفظع، ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أعوذ بك من ضيق المقام يوم القيامة” وفي هذا اليوم تعلم كل نفس ما أحضرت، ويقف الإنسان نادما بعد فوات الأوان، وتؤخذ خوافي الصدور أخذا شديدا، ويبعثر ما فيها، فما من شيء أخفي فيها إلا ظهر، ولا أسر إلا أعلن، صمت مهيب، لا يتخلله حديث، ولا يقطعه اعتذار، ووجوه هناك مبيضة، مسفرة مستبشرة، ضاحكة ناظرة، ووجوه أخرى مسودة باسرة، عليها غبرة، مرهقة بالقترة.