الدكروري يكتب عن طعم البلاء
الدكروري يكتب عن طعم البلاء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من رحمة الله سبحانه وتعالي أن جعل طعم البلاء يخف على الإنسان كلما امتد زمن البلاء، فأنت ترى المريض المزمن في مرضه، اللحظات التي يعيشها الآن أهون عليه من اللحظات التي كانت عندما بدأ المرض لأنه قد تعود، مع أن المرض لم يخف، بل إنه ربما يشتد، ولكن الله يصبره، وعلى قدر البلاء تنزل المعونة، فيقول القائل تعودت مس الضر حتى ألفته وأسلمني طول البلاء إلى الصبر، ووسع صدري للأذى كثرة الأذى وكان قديما قد يضيق به صدري، وكذلك الداعية إلى الله عندما يبتلى بأذى الناس ربما يجزع في المرات الأولى، ولكن يوسع صدره على الأذى كثرة الأذى، على قدر البلاء تنزل المعونة.
وأنتم معشر المسلمين المخلصين الذين تعملون لإعلاء دين الله وكلمته، لقد طال هذا الليل واسود جانبه، وأرقنا فعل الجاهليات بأهل الإسلام، لا تيأسوا فإن النصر مع الصبر، وإن مع العسر يسرا، وهذه سنة الله في الدعوات، أن الخطوب تشتد عليها، والأخطار من كل جانب، حتى يفعل جميعهم كل الإمكانيات فلا تفيد، وبعد أن يفقدوا الأمل ويصلوا إلى نقطة يحسون أن لا نصر عندها، إذا بنصر الله يأتي، متى أتى النصر؟ فأتى النصر عندما اشتدت الأمور وظنوا أنه لم يأت جاءهم نصرنا، وهكذا لكي لا يكون النصر رخيصا، فلو كان النصر رخيصا لقام في كل يوم دعي بدعوة لا تكلفه شيئا، ودعوات الحق لا يجوز أن تكون عبثا ولعبا.
فإنما هي قواعد في حياة البشر ومنهاج لهم، فاللهم يا فارج الهم عن نوح وأسرته وصاحب الحوت مولى كل مكروب، وفالق البحر عن موسى وشيعته ومذهب الحزن عن ذي البث يعقوب، وجاعل النار لإبراهيم باردة ورافع السقم من أوصال أيوب، فإن الأطباء لا يغنون عن نصب أنت الطبيب طيب غير مغلوب، اللهم إنا عبيدك وبنو عبيدك وبنو إمائك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا.
وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، وإن من المفاتيح وهو آخرها التفرغ للعبادة، فاجعل لك من وقتك جزء ونصيبا للتفرغ فيه لعبادة ربك سبحانه وتعالى، فقد روى الإمام أحمد والترمذى ” ابن آدم تفرغ لعبادتى، أسد فقرك وأملأ صدرك” فالله الله بالعبادة عباد الله، تقربوا إلى مولاكم ما دمتم على قيد الحياة، واستعدوا لآخرتكم، فإن الموت قادم على كل إنسان، فسبحانه القائل ” كل نفس ذائقة الموت” فإن حياة الإنسان في هذه الدنيا بين مد وجزر, تضيق وتفرج, يفرح ويحزن, ينشغل ويفرغ، وبعد الشدة فرج، فلا تبقى هذه الحياة على حال, فقال تعالى ” لقد خلقنا الإنسان فى كبد ”
وما ضاقت إلا فرجت فسبحانه القائل ” فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا” ولن يغلب عسر يسرين، وبعد الشدة فرج، فإذا دهمتك مصائب الحياة, وضاقت عليك الأرض بما رحبت, فتذكر أن لك ربا يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء,، وتذكر أن بعد الشدة فرجا، وإذا وقع بك يوما البلاء, وضاق بفسحة العيش الفضاء, فتذكر أنك لست أول من عانى مثله, وقد ابتلى قبلك أقوام فزال البلاء، وذهبت الشدة وجاء الفرج، فهذا نبى الله يوسف عليه السلام, ألقي في غيابة الجب, وبيع بثمن بخس دراهم معدودة, ثم اتهم في عرضه, وسجن ظلما, ضيق بعد ضيق, وشدة بعد شدة، لكن العاقبةخير وتمكين فى الأرض.