مراة ومنوعات

الدكروري يكتب عن تمني النعمة ورجاؤها

بقلم / محمــد الدكــروري
إن الدنيا والآخرة ضرّتان، فبقدر ما ترضي إحداهما تسخط الأخرى، وبقدر ما تعمر إحداهما تهدم الأخرى، وبقدر ما تقدم إحداهما تؤخر الأخرى وطالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شربا ازداد عطشا، حتى يقتله الشرب والدنيا سريعة الفناء، فهي تعد بالبقاء ثم تخلف في الوفاء، وأنت أيها العاقل اللبيب عليك أن تتخلى عند إحداهما، فأيهما ستبقي؟ وإن أمراض الجسم تنتهي بالموت، ولكن أمراض القلب تبدأ بعد الموت، وأن مرض الجسم ولو كان مرضا عضالا ينتهي بالموت، وقد يكون صاحبه في أعلى الجنات، وانتهى الأمر، لكن مرض القلب يبدأ بعد الموت ويشقي صاحبه إلى أبد الآبدين، ولو كنا منطقيين لوجدنا أن أخطر أمراض الجسد أثرها محدود في الحياة الدنيا.
بينما أمراض القلب تشقي صاحبها إلى أبد الآبدين، فلذلك ينبغي أن ترتعد فرائصنا من أمراض القلب، ولا شك أن القلوب تمرض كالأبدان، ومرض القلوب أنواع، فمنها مرض لا يتألم به صاحبه في الحال، كمرض الجهل، ومرض الشبهات والشهوات والشكوك، وهذا النوع هو أشد الأمراض ألما، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم، فهم أطباء هذا المرض، ولا شفاء منه إلا باتباع ما جاءوا به من الهدى، وإن الغبطة هو تمني النعمة ورجاؤها، ولكن دون أن تزول من الآخرين ولقد بين لنا النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن ما يستحق أن يتمناه المسلم هو العلم النافع، والعمل به وتعليمه للناس وكذلك المال الصالح للعبد الصالح الذي ينفقه في وجوه الخير والبر.
فالمؤمن بطبيعته لا يحسد ولا يتمنى زوال نعمة الغير، بل هو الذي يتمنى الخير للناس جميعا لأن قلبه طاهر من أدران المعاصي والنفاق والشقاق، وكلامه طيب يرضي الله عز وجل، ونفسه هادئة راضية مرضية صابرة محتسبة قانعة بما قسمه الله تعالي، وإذا كان الحسد خطيئة كبرى، وذنبا أعظم، ومعصية ماحقة، فإن هنالك نوعا من الحسد مرغوبا محبوبا، محمودا مطلوبا، إنه حسد في المسمى، ولكن المعنى مختلف، إنه يدفع إلى التنافس، ويحث على التسابق، ويدعو إلى المسارعة، وإنه ينم عن علو الهمة، وقوة العزيمة، وتوقد الذهن، وحياة الروح، فالمسلم الحكيم هو الذي يتجنب الحسد على الأحوال كلها ولا يستسلم لوساوس النفس.
لأن أهون خصال الحسد ترك الرضا بالقضاء وانطواء الضمير على إرادة زوال النعم عن المسلم، والإنسان العاقل هو الذي لا يحصل منه تمني زوال النعمة عن صاحبها، سواء أكانت نعمة دين،أو دنيا، فلا يضمر سوءا لأحد، أو يرجو اندحار خصمه، أو إزالة خيراته، ولكن إذا تمنى مثل هذه النعمة،أو العز، أو الجاه، فلا حرج عليه،لأن هذا يسمى الغبطة ومن سمات المسلم العاقل هو صفاء النفس من الغش والحسد ومن الغدر والضغينة، وإن هذا الصفاء ليدخل صاحبه الجنة بإذن الله تعالى، ويقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالا سلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها، ويعلمها” متفق عليه.
وهذا هو الأمر الأجل الكبير العظيم الذي يجب أن تتطلع النفوس إلى نيله، وتتسابق الهمم لتحصيله، وإن أجل منصبين، وأعظم نعمتين هما المال الوفير، والعلم الغزير، فالمال منة من أجل المنن، ونعمة من أكبر النعم، وإنه الوسيلة لصيانة النفس، وعزة الروح، وحفظ الكرامة، واستعلاء اليد، وتحقيق المطامح، والوصول للمآرب، والإسعاد للنفس، والإيناس للأهل، والمكانة في المجتمع، والمهابة لدى الناس، وطيب المعيشة، وحسن المظهر، وارتقاء الدرجة، وعلو المنزلة، والجود على الناس، والإحسان للبشر.
اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار