مراة ومنوعات

الدكروري يكتب عن نعمة العلم

بقلم / محمــد الدكــروري
إن من النعم والفضائل التي تشرئب لها القلوب، وتتطلع إليها النفوس، فهي نعمة العلم، ولكن أي علم؟ والحكمة، ولكن أي حكمة؟ إنه العلم النقي الزكي، النافع المبارك، الذي تحيا به القلوب، وتزكو به النفوس، وتسمو به المشاعر، إنه العلم المزيّن بالحكمة، ولكنها الحكمة التي تظهر آثارها وتبدو ثمارها، الحكمة التي يعلمها الإنسان للناس، ويبثها للأمم، ويجود بها للجماهير، ويغرسها في قلوب الأتباع، وإنها الحكمة التي يقضي بها، يقضي في الخصومات، يقضي بها في الحكم على الناس، يقضي بها في الأقوال والأفعال، يقضي بها ماديا ومعنويا وفكريا، إنها حكمة يستنير بضوئها في كل شأن من شؤون التعامل مع الناس.
وهو مع ذلك لا يحتفظ بحكمته في صدره، ولا يبخل بها على غيره، بل هو يجاهد لتعليمها، ويسعى لتفهيمها فهو عالم حكيم أشرقت أنوار علمه، وأطلت بدور حكمته، فكانت نورا للسائرين، وضياء للحائرين، وسلوة للمؤمنين، وإن هذه الحكمة، بهذه الصفة، هي التي تبعث في نفوس النبلاء الحسد، أي بمعنى أنه يتمنى أن له مثل هذه الحكمة، ويرنو إليها، وينافس للفوز بمثلها، والوصول إلى درجة حاملها، ولكنه وفي قرارة نفسه لا يتمنى زوالها أو فقدانها، بل هو حسد يسمى حسد الغبطة، أي يود لو أنه أوتي مثل ما أوتي ليكون مثله في الخير والفضل والسمو، فإن الحكمة هي الخير الكثير، والنعمة الباذخة، ولقد امتن الله عز وجل علينا.
بأن بعث فينا رسولا منا ليتلو علينا الكتاب، وليعلمنا الحكمة، فكان النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أعلم الناس، وأحكم الناس، وأنفع الناس، وما بالك بعلم وحكمة ونفع يغمر الكون كله، والدنيا أجمعها، والحياة برمتنا، منذ بزوع فجرها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن هذا الحديث دعوة إلى التنافس المحمود، والتسابق الميمون، الذي ينفع في الدنيا، ويرفع في الآخرة، بعد أن ذكر الله تعالى الجنة ونعيمها، وما أعد لعباده فيها، ويتبين لنا أن الحسد نوعان، نوع محرم مذموم على كل حال، وهو أن يتمنى زوال نعمة الله عن العبد دينية أو دنيوية، وسواء أحب ذلك محبة استقرت في قلبه، ولم يجاهد نفسه عنها.
أو سعى مع ذلك في إزالتها وإخفائها، وهذا أقبح، فإنه ظلم متكرر، وهذا النوع هو الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فالحسد دليل الجهل، ومؤشر، وإذا كان للحسد مؤشر، فهذا المؤشر يتناسب مع الجهل، فالحسود لا يعرف الله، ولا يعرف طبيعة الحياة الدنيا ولا يعرف طبيعة الآخرة، ولا يعرف مهمة الإنسان في الدنيا، ولا يعرف سر التكليف، ولا يعرف ما الأمانة، ولا يعرف ما قيمة العمل الصالح، فهذا هو الحسود، وإن الحسد حينما تسري هذه العين الحاسدة يسري شعاعها إلى إنسان محسود غافل عن الله عز وجل، فالغافل إذا حسد أصابته عين الحسود، أما إذا كان معتصما بالله سبحانه وتعالى وكان مستعيذا به.
ملتجئا إليه، قولك أعوذ بالله ينتهي كل شيء يعنينا من هذا الكلام أن النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام قال “لا حسد” والحسد في التعريف الدقيق أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك، كي تنصرف إليك أو إلى غيرك، على كل أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك هذا حسد لا شك فيه، وهذا حسد، وهناك حسد من نوع مثقل وهو أن تسعى عن طريق الوشاية، أو عن طريق المكر، أو عن طريق الإيقاع في أن تزيل هذه النعمة عن أخيك، إذن الحسد في أصله تمني زوال النعمة، وفي فعله أن تسعى جاهدا كي تزيل هذه النعمة عن أخيك لتنصرف إليك أو إلى غيرك هذا هو الحسد، وأما النوع الثاني فهو أن لا يتمنى المرء زوال نعمة الله عن الغير، ولكن يتمنى حصول مثلها له، أو فوقها أو دونها، وهو محمود ومأذون به.
اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار