الدكروري يكتب عن المعتصم باني مدينة سامراء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية كما جاء في كتب السيرة النبوية الكثير والكثير عن الدولة العباسية وعن الخليفة محمد المعتصم بالله، وقيل أنه بعد وفاة الخليفة المأمون، أخذت البيعة لأخيه محمد المعتصم بالله، الذي بنى مدينة سامراء، وفتح عمورية قرب أنقرة مسقط رأس العائلة الإمبراطورية البيزنطية، واستمرت عمليات الترجمة والنهضة العلمية في عهده، كما افتتحها سلفه المأمون، ولعل قضاءه على ثورة بابك الخرمي، التي أسست دولة شاسعة في أذربيجان وجوارها، منذ عهد المأمون أبرز أعماله، إذ إن بابك الخرمي قد مزج بين الإسلام والمجوسية، وأسس دينا هجينا، وعمد إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية، ما أسهم في بقائه عصيا على الدولة العباسية عشرين عاما.
إلى أن استطاع القائد التركي أفشين القضاء عليه، ومن الثورات الأخرى ثورة الزط جنوب العراق، وإجلاء المعتصم إياهم إلى الأناضول، وكانت والدة المعتصم تركية، لذلك أحاط نفسه بالحرس التركي، كما فعل أخوه المأمون مع الفرس، وكان قوام الحرس التركي بداية عهد المعتصم أربعة آلاف رجل، غير أنه استقدم المزيد من قبائلهم عاما فعاما، ما أثار قلاقل واضطرابات في بغداد، اضطر معها الخليفة لنقل عاصمته إلى سامراء، وإثر وفاته عام ثماني مائة واثنين وأربعين ميلادي، بويع ابنه الواثق بالله، واستمر في سياسة والده القائمة على استيراد القبائل التركية، ومنحهم الوظاف العالية في الدولة، وجعلهم قوام الجيش فعليا، وكان الواثق قد خلع على القائد التركي أشناس لقب السلطان، ما مهد لضعف الدولة.
وزوال سيطرة الخلفاء عليها وإثر وفاته عام ثماني مائة وسبع وأربعين ميلادي، بويع أخوه أبو الفضل جعفر المتوكل على الله بالخلافة، والذي يحدد أغلب المؤرخين تاريخ خلافته بدءا لانحطاط الدولة العباسية، ولم يستطع العباسيون الحفاظ على وحدة الدولة كما فعل أسلافهم الأمويون فاستقل عبد الرحمن الداخل بالأندلس منذ قيام الدولة، وفي خلافة الهادي استطاع إدريس بن عبد الله بن الحسن الفرار من مذبحة لحقت بأسرته وأنصارها في المدينة المنورة، إثر مطالبة والده بالخلافة، واتجه إلى المغرب حيث أسس الدولة الإدريسية المستقلة وعاصمتها فاس، وفي عهد المأمون تولى إبراهيم بن الأغلب ولاية إفريقية، التي تشمل ليبيا وتونس وشمال الجزائر، وبقي حكم هذه الولاية محصورا في ذريته حتى ظهور الدولة الفاطمية.
ولم يحفظ بنو الأغلب للخلفاء العباسيين سوى الخطبة، وسك اسم الخليفة على النقد، وبذلك فإن الدولة العباسية منذ عهود قوتها لم تحفظ وحدة أراضيها الإدارية، وهو الأمر الذي سيكرس رسميا، وفي كل جهات الدولة خلال عصور التراجع والانحطاط، وأبرز أوجه عصور الانحطاط، سوى استقلال الولاة والسلاطين في شؤون ولايتهم، بل وتأسيسهم دولا مستقلة تماما في بعضها، كان تدخل الجيش في تعيين الخلفاء، وتوفي أول السلاطين الأتراك أشناس عام ثماني مائة وأربع وأربعين ميلادي، وخلفه وصيف التركي.