اخبار العالم

شارع سقف السيل

شارع سقف السيل
قصص محمّد مشة
“محنة الحياة”
سليم النجّار
صدر عن دار الآن ناشرون – عمان -2024
استطاع القاصّ محمّد مشة أنْ ينسج من قصص قصيرة عالمًا متكاملا، يُغني عن كتابة رواية، لا يعبّر عنها سواه، حيث يدور حول مسألة واحدة، وفي هذا المقام تتجلّى مجموعة المشة “شارع سقف السيل” التي تدور حول تجربة واحدة لكاتبها.
وجميع هذه القصص تؤدي وظيفة واحدة وهي التعبير عن هذه التجربة. وهذا النمط من كتابة القصة القصيرة، ليست جديدة، فقد كتب نجيب محفوظ “حكايات حارتنا” وهي عبارة عن مئة وسبعٍ وثلاثين حكاية منفصلة متّصلة ترسم ملامح الحارة بشّتى تفاصيلها في لحظة زمنية واحدة.
معنى هذا أنّ القصة في سعيها للتعبير عن عالم متكامل تتمرّد على صورتها المتعارف عليها بأنّها سرد مكثّف يعبِّر عن لحظة أو موقف أو حالة، ويكون نقطة التمرّد عبر دوران قصص المجموعة كلّها حول نقطة واحدة وكأنهّا تمثِّل دائرة حول مركزٍ تحطّ فيه رؤية أو تصوّر أو حالة أو رغبة أو مسعى أو هدف وكلّ قصة تشكِّل جزءًا من هذه الدائرة حتّى يكتمل محيطها.
وأنتج هذا المسعى لونًا جديدًا يمكن تسميته “المتتالية القصصية”. التي تعنى قصصًا متتابعة عن موضوع واحد لتقع في منطقة وسطى بين “الرواية” و”المجموعة القصصية”، في اختلاف عن القصّة الطويلة والرواية القصيرة.
قصص شارع “سقف السيل” يرويها أشخاص يمثلون شريحة من شرائح المجتمع الأردني، يريدون استعادة الماضي، فإنهم يفعلون هذا على طريقة ” كان يا مكان”.
لكن ليس بوسعهم في مواقف كهذه، أن يصيغوا ما يودون قوله في سرد طويل أشبه بالرواية، إنّما يأتي بالطبع على هيئة قصص قصيرة. وكذلك يفعل الدعاة المسلمون في قصّهم على الأسماع حكايات الأنبياء والصحابة والخلفاء والفقهاء، وقادة الجند في زمن الفتوحات. وعلى المنوال ذاته يحكي الوعّاظ الكنسيون قصص الحواريين والرسل والقدسين والرهبان والاستشهاديين. وتستعاد كذلك الحكايات غير الدينية من تراث العائلة والعشيرة والقبيلة.
وتعتبر القصّة القصيرة عبارة عن نثار من حكايات وشخصيات وعوالم وقضايا وأفكار ورؤى ومسارات تتعدّد فيه الأمكنة والأزمنة، وقد تتباين الأساليب من قصّة إلى أخرى، قصد القاص هنا أو جاء الأمر عفو الخاطر.

ويبقى أنْ نشير إلى أنّ خطاب الاعتراف القصصي في المجموعة القصصية “شارع سقف السيل” للقاص محمد المشة، وضع لنفسه مرتكزات تعبيرية ومعايير نوعية تتناسب قصصه القائم على الفضاء الاجتماعي – المتحرّر من التقليدية – الذي يستوعب الصور والاستعارات والتكثيف الدلالي، وأتاحت موهبته القصصية – في هذه الحالة – الاقتراب من الواقع في اللغة الاجتماعية المتداولة بين شخصياته القصصية والرؤى البصرية، والبحث عن قصّ خاص به يتّخذ من السردي والقصصي نمطًا للكتابة يتعامل مع السرد بوصفه مكِّونُا حيويًّا للنصّ.
ومن هذا المنطلق، واعتمادًا على مبدأ الدهاء القصصي الذي يلعبه القاص المشة نقرأ في قصة “الذي سرق لساني” قدرة على توظيف الرؤية البصرية التي يريد القاص إيصالها للمتلقي، “أحرقت علبة سجائري منتظراً قدومها، منشغلاً بما تشاهده علَّها تظهر من بعيد ص9”.
كما تحاول الذات القاصّة الابتعاد عن أناها الخاصّة وتشرع في تخفيف وطأة الاعتراف عنها عن طريق توظيف تقنيات مثل الظلّ أو القرين، وهي التقنية التي تستدعي ضمير المخاطب لحالة الانقسام الذاتي أو التشظِّي من ناحية، والمناسب لدور الراوي تاركاً مساحة للمتلقي للتفكير أيّهما قصّ الراوي أو القاصّ أو كلاهما معاً، كما نقرأ ذلك في قصة “ذات الرداء الاحمر” التي مزج فيها بين تقنية الظلّ والضوء الذي يتجلّى كضمير متكلم، “انتفض الضوء الخافت بثورة، فشعَّ ضوء التفتت إليه الأنظار واتجهت نحو باب المقهى.. شعرٌ أسود ينسدل على الكتفين، ثوبٌ أحمر ومعطف أسود ص26”.
كما استطاع المشة رسم صورة اجتماعية لقصته “شارع سقف السيل” من منظور تحرري تبدو معالمه في الأفق، في ظلّ الوضع الضبابي الكابوسي على الشكل الآتي: “لا حافلات تكفي كي تنقلهم إلى رعب العاصمة. المكان ساحة المسجد، والأمل يشعُّ في قلوبهم أنْ تأتي سيارة تقلُّ كلّ ذي حظّ إلى حيث لا يدري أحد إلى أين يتّجه حظّه ص5”.
قد يحال هذا القصّ التشكيلي من قبيل التجمّع البشري إلى البحث عن قيمة إنسانية ما متعارضة أو متناقضة، فالازدحام معناها في القصة، الخوف والألم والقلق، بجانب هذا الاشتباك العنيف مع الزمن المعيش الحالي، نرى القاصّ يرسم صورة المسجد الذي من المفترض أنْ يبعث الطمأنينة، تاركاً للمتلقي حرية الاختيار، لهذه الصورة الإنسانية التي تبحث عن نهاية لطريق ما؛ لعلّ المتلقّي وشخصيات المشة في حيرة من أمرهما.
إنّ تبدُّل الأزمنة والأمكنة في مجموعة “شارع سقف السيل” عدّة ومتفاوتة وهذا أمر طبيعي. إذْ أنّ القاصّ يضمّ فيها قصصّا تدور في أكثر من مكان، وتتعاقب على أزمنة متتابعة تتباين فيها الشخصيات، فنجد في القصّة الواحدة شخصيات متباينة ومتنافرة بل متناقضة أيضا؛ لكلّ منها منهله ومشربه ومنبعه في الحياة وأهدافه ومسعاه، ففي قصّة “أبو العبد لا يشرب القهوة”، هناك كثير من الأفكار والتصوُّرات الهائمة طالما تاقت إلى نقطة مركزية تنطلق منها أو في إطار مرجعي تنتهي إليه، “هل ترى النور المنبعث على رأس الجبل، وسط الظلام هناك؟”.
” نعم أراه”.
” اتبعني إلى هناك حيث نور قلبك” ص51″.
هنا الخروج لا يكون بالضرورة منضبطا، من الخارج إلى الداخل كما في قصّة ” أبو العبد لا يشرب القهوة”، بل يبدأ من نقطة ويصعد إلى الذروة كما في قصّة “المرتجفون الأوغاد”: “ابتسم ابتسامة ذات معنى واضح، وفيها إصرار على التحدّي، ثم قال: “ما بك؟ هل خفت؟”.
” طبعًا لا” أجبت ص53″.
وإذا أردنا أنْ ندرك أهمية الوظائف التي وظفها القاصّ في قصصه، فلنتخيّل أنّ الجموع الغفيرة أو المحتشدة في ميدان ما، واهمون لعمل ما أو غير محدّد الأهداف كما فعل القاصّ محمد مشة في قصته، “قصّة سخيفة”، إذْ في هذه المرّة جاءت الحشود على شكل أطفال، فبدأ قصّته على الشكل الآتي: “كنا ثلاثة أطفال، تقاسمنا العهد أوفياء صامدين أمام الحي الأسود والأبيض ص67″، قد يبدو للمتلقي أنّ القاصّ حدّد هدف شخصياته، لكن يتدارك ذلك ويعود لتقنية الحلم لنفي الهدف فيقول: “استيقظت على صوت أمّي تغسل كؤوس الشاي، وتخلط لنا الزيت بالزعتر، لكنّها صرخت فجأة: “من كسر برطمان الملح؟ ص69″، هذه التداخلات بين الشخصيات، وتناقض الأحداث في القصّة الواحدة، تدلّ على قدرة القاصّ على ربط الأحداث بشكل متسلسل، أيّ يجمع التناقضات في بوتقة قصّة واحدة.
ثمّ يتوّلد سؤال آخر:
هل ينبعث من المجموعة القصصية “شارع سقف السيل” مجموعة رؤى قصصية؟ هذا الأمر متروك للمتلقّي، وهذا ما أبدع فيه المشة، جعل من شارع سقف السيل متعدّد الرؤى. وترك للمتلقّي حرية الرؤية.
[5/24, 9:47 AM] سليم النجار: غاستون باشلار من الفلسفة إلى الشعر ٠٠
بدلاً من المقدمة :
إن الفلسفة التي تريد أن تفضح الأوهام وتفضي على التشويهات التي تلحق الإنسان في المجتمع، تجد نفسها أنها، هي أيضاً، نوع من التشويه الذي يحول الأوهام إلى حقائق، كما أنها تجد أنها، إذا ظلت مجرد نظر، تبقى عاجزة، لا على فضح تلك الأوهام وانتقادهاولكن على القضاء الفعلي على التشويه٠ فإذا كنا نريد أن نتخلى عن الأوهام المتعلقة بوضعنا، فذلك يعني أن علينا أن نتخلى عن وضع يكون في حاجة إلى الأوهام٠
الفلسفة أذن تأويل للعالم، ولغة له٠ وليست تأويلاً لتأويل٠
وإذا كان الشعر امتدادً مقلوباً لعلاقات البشر الفعلية، وإذا كانت الأوهام تنتج عن حياة البشر المادية فإن الأشكال الفلسفي لاتتمتع بأي استقلال ذاتي٠ وهذا معناه ان الفلسفة في احد تجلياتها تتم خارج البنى الإجتماعية، وتبقى حكرًا على النخبة٠ وإذا كانت الفلسفة، بما هي إيديولوجيا لا تملك تاريخاً، ولا تتمتع بأي استقلال ذاتي، فهي إذن لا تملك أية وظيفة٠ إنها لا تساهم في تغيير العالم، وإنما في تغيير تفسير العالم٠
من هنا جاء النظر إلى الفلسفة على أنها لغة٠ ذلك أن الأهتمام الفلسفة بالاشتقاق اللغوي يتنافر وكل تاريخ واقعي٠ إن معنى الاهتمام باللغة هو نفي الإحالة، نفي الواقع الخام٠ فالقول بالواقع الخام هو قول بحضور المعنى ونفي لخبث الرموز والدلائل٠ إن الدال عندما يحيل فهو يحيل إلى دال آخر لا إلى واقع في ذاته٠ والأفكار لا تعبر، وهي لا تكشف إلا بقدر ما تحجب٠ يقول ” زارادشت” ( إن جميع اسماء الخير والشر ليست إلا مجموعة من الرموز٠ إنها لم تعد تعبر عن شيء، وإنما هي تدل وتعني)٠
لابد من القول أن الفكر الكوني سيغدو قد سادته التقنيةُ، شريطة أن ناخذ التقنية في معناها القوي، من حيث اكتمال الرؤية حول الكون، أو مازال في طور البحث، وفي كلا الحالتين، كان هناك لجوء للشعر على سبيل المثال، لا للحصر٠
فما الذي يميز الشعر؟ ما الذي يميز الوجود وقد اكسحته التقنية؟ هل اكتساح التقنية هو مجرد تطور لعلاقة الإنسان بالطبيعة تولد عن تراكمات تاريخية، لم تحدث اية قطيعة مع ما سبقها، أم انه انقلاب أنطلوجي، لحق الوجود ذاته، وعينه كإدارة قوة، فبدل مفهوم الحقيقة، وغير علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة هذا بالوجود؟
أو علاقة الفلسفة بالشعر، تجعل النجاة من كل الأشكالات الإنسانية، طريقاً للخلاص٠

اكمل القراءة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار