محمود سعيد برغش
يقول تعالى: { مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)} [المائدة: 32].
في هذه الأوقات كثر أطفال الشوارع، الذين لم يجدوا مأوى ولا ملاذا، ولا أمنا ولا أمانا، يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، وهذه من اكبر القضايا التي تواجه البلاد.
الدولة المصرية لم تقصر مع هؤلاء، بل أنشأت وزارة التضامن الاجتماعي فرقا من الأخصائيين الاجتماعيين والمرشدين النفسيين والأطباء من أجل حل هذه المشكلة، وإيجاد المأوى لهؤلاء الأطفال، وتلبية احتياجاتهم ورغباتهم، وتوفير المسكن والمأوى لهم، والاهتمام بتعليمهم ليكونوا مثل أقرانهم من باقي الأطفال.
ولم يقتصر هذا العمل على أطفال الشوار فقط، بل إن الدولة – أيضا – خصصت دورا للرعاية لأصحاب الشوارع من الكبار، وكل ذلك بالتعاون مع بعض المتطوعين من الموظفين والأطباء والصيادلة والجمعيات الخيرية مع وزارة التضامن الاجتماعي التي جعلت هذا الأمر من أهدافها الرئيسية { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.
هؤلاء الناس لم يجدوا من يرعاهم ومن يتولاهم ويحنو عليهم منذ البداية وألقت بهم الظروف الصعبة إلى الشوارع، فوجب علينا أن نكفلهم، وأن نحتويهم، لأننا بذلك نحميهم ونحمي المجتمع مما قد يصدر من بعضهم.
وأحب أوضح أنك عندما تأخذ أحد هؤلاء الأطفال وتعيد تأهيله وتوفر له الرعاية وتخصص له مكانا يقيم فيه – إذا كانت لديك القدرة المادية – وتوفر له بعض حاجاته، وتساعده في أن يتقدم إلى مدرسة ويتعلم حتى يكون عضوا ناجحا فاعلا في هذا المجتمع، حينها ستكون قد ساهمت في إصلاح هذا المجتمع، وفي مساعدة الدولة في هذا العبء الكبير، وسيكون هذا في ميزان حسناتك، وستجني ثمرته في الدنيا والآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْـمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ، وَلَنْ يُجْهَدَ الْفُقَرَاءُ إِذَا جَاعُوا وَعُرُّوا إِلا بِمَّا يَصْنَعُ أَغْنِيَاؤُهُمْ، أَلا وَإِنَّ اللهَ يُحَاسِبُهُمْ حِسَابًا شَدِيدًا، أَوَ يُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا”( ).
التكافل الاجتماعي في الإسلام:
يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ»، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْـمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ)( ).
إن العطاء إذا قصد به وجه الله فإنه يقع في يد الله قبل أن يقع في يد المسكين، يقول الله تعالى يوم القيامة لأحد عباده: (يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي؟ قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي)( )، إذن الذي يتلقى منك الصدقة ليست يد المسكين, وإنما الذي يتلقاها بالقبول والجزاء والثناء هو الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ – وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا طَيِّبًا – كَانَ إِنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَن،ِ يُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَه،ُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْـجَبَلِ)( ).
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كافِلُ اليَتِيمِ له، أوْ لِغَيْرِهِ أنا وهو كَهاتَيْنِ في الجَنَّةِ وأَشارَ مالِكٌ بالسَّبَّابَةِ والْوُسْطَى”( ).
مما سبق ستبين لنا مدى حث الإسلام على التكافل الاجتماعي، ومدى عظم أجر الذين يساعدون غيرهم، ويكفلون الأطفال، وهذا كله يعد بمثابة إحياء للنفوس {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.
إعلام الفتح يجمع ولا يفرق
إعلام الفتح يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم، منذ بدأت قناة الفتح مسيرتها الإيمانية الطيبة الهادئة الهادفة في عام 2011م وقد اختارت منهجا واضح المعالم عنوانه: قناة الفتح تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم، دخلت في هذا المنهج العظيم الذي بعث النبي لأجله، أن تكون هناك أمة واحدة وخيرية واحدة، وامة على قلب رجل واحد، لا تجد للشتات أو التفرق أو التحزّب أو التمذهب مدخلا إليها، وبطبيعة الحال هذه القناة تقوم على منهج أهل السنة والجماعة، وهذا الكلام يعرفه كل الناس، وصاحب هذه القناة أستاذ جامعي كبير – بفضل الله تعالى – له مئات المؤلفات الشرعية، وأشرف على مئات الرسائل في الماجستير والدكتوراه، وحياته تقوم كلها على المنهج العلمي الذي يحارب البدع والانحرافات والدجل والشعوذة، لأننا أهل قرآن، وأهل علم وأهل عطاء، وحياتنا كلها قرآن، ولا يليق بأستاذ جامعي أن يروّج شيئا يخالف الشريعة الإسلامية، ولكنها العيون التي لا تبصر، ولكنها القلوب التي حُجبت عن أنوار الله تعالى، على حد قول الشاعر:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد * * وينكر الفم طعم الماء من سقم
ونحن في هذه الوسطية، وفي هذا الاعتدال الذي نقدمه للناس، الدين الوسطي الذي يجمع ولا يفرق، ويحارب البدع، ويحارب السحرة، ويحارب الدجالين والمشعوذين والروحانيين، ومن يقرأون الأفلاك، ومن يقرأون الفنجان، ومن يستخدمون تواريخ الميلاد، ومن يستخدمون الودع.. كل هؤلاء على باطل، وهم داخلون في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من أتى عرافًا أو كاهنًا ، يؤمنُ بما يقولُ ؛ فقد كفر بما أُنزل على محمدٍ”( )، هذا الحكم على من يذهب، فما بالكم بالمقصود الذي يذهبون إليه، ويسيء التعامل مع الحالات مخالفا منهج النبي صلى الله عليه وسلم؟
قناة الفتح منهجها يقوم على تجميع الناس وليس على تفريق الناس، فليس من دأبنا ولا عاداتنا أن نرد على كل متطاول، ليس هذا في منهجنا، ولن يكون، ولكننا في بعض الأحيان نحرص على أن نوضح لمن لا يدركون حقائق الأشياء، ولمن يستخدمون الضجة الإعلامية في قنوات يفترض أنها أمينة على مصلحة العباد، ويفترض أنها تؤازر السيد الرئيس في مسيرته في النهضة، في مواجهته لمشكلات كبيرة في سيناء وغيرها، كأن مشاكل مصر كلها قد حُلَّت، ولم يبق سوى أن يتناحر الناس اغتيابا وانتهاكا، وسفكا وأكلا للحوم العلماء التي هي مسمومة، وكأن أسعار بلادنا قد رخصت، وكأن الدنيا أصبحت وردية براقة أمام الناس، ولم يبق أمام القنوات الفضائية إلا أن تنهش في لحوم العلماء.
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا